الـمـقـدمـة :-
مما لا شك فيه أن الدستور في الدولة هو أساس وقاعدة لنظام الحكم فيها بل مصدر جميع السلطات في الدولة ويمثل إرادة الشعب ويعبر عن طموحاته المستقبلية ومعالجة قضايا الأمر الواقع الأمر الذي جعل الدستور هو الضمانة الأولى والأساسية من ضمانات خضوع لدولة للقانون ، نظرا لما يتميز به من خصائص فريدة ، إذ أن وجود الدستور يعني إقامة النظام السياسي والقانوني للدولة لانه ينشأ السلطات المختلفة ويحدد اختصاصاتها وينظم علاقاته وما لها من امتيازات وواجبات تفرضها قواعده الدستورية وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات 0
ولهذا نجد أن الدستور في الدولة هو قمة النظام والتدرج القانوني فيها بما يعني سموه على غيره من القوانين أي كان مصدرها وهذا ما تم ترجمته نظريا بما يعرف بمبدأ سمو الدستور سواء كان هذا السمو لقواعده الدستورية أو سموه من الناحية الشكلية 0
ولا شك أن لكل نظام حكم في دولة قائمة بحد ذاتها أو ما زالت تسعى لاستقلالها من وجود دستور أو قانون أساسي لها له السمو ومن هنا رأى الباحث إن يسلط الضوء على مبدأ سمو الدستور من الناحية النظرية لاسيما ما للقانون الأساسي الفلسطيني الذي يعتبر هو الدستور المؤقت لنا من سمو لقواعده القانونية سواء الموضوعية أو الشكلية وذلك باعتباره القانون التمهيدي الإلزامي لإنشاء الدستور النهائي للدولة الفلسطينية 0
موضوع البحث :-
سوف يتضمن هذا البحث التحليل النظري والواقعي للمبدأ الدستوري والقانوني وهو مبدأ سمو الدستور سواء من الناحية الموضوعية أو الشكلية والآثار المترتبة على ذالك على قواعد القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2005م باعتباره القانون الاسمي والأعلى في القوانين الفلسطينية 0
منهجية البحث :-
سوف نعتمد في كتابة هذا البحث على الأسلوب التحليلي الاستقرائي الوصفي من الناحية النظرية لمبدأ سمو الدستور في ضوء الكتابات والآراء الفقهية والمراجع الدستورية ، ولإثراء البحث سنبين مبدأ سمو القانون الأساسي الفلسطيني وذالك من خلال استقراء النصوص معتمدين على التحليل والفهم الدقيق لها 0
أهمية البحث :-
في حقيقة الأمر أن البحث في مبدأ سمو الدستور يعني انه بحث تأصيلي ووصفي لمبدأ أساسي لا يمكن تجاهله وهو حقيقة لها أهمية سواء من الناحية النظرية او العملية 0
فنجد أهمية لهذا البحث من المنظور النظري لأنه تناول مفردة من مفردات القانون الدستوري ، بما يعني أنه تناول شرح مبدأ أعلى القوانين في الدولة التي تحدد نظام الحكم في ضوء مهام وواجبات السلطات الثلاث ولاسيما رسم السياسة الخارجية العامة للدولة ، كذالك ليبين أن القواعد الدستورية بما لها من سمو لا يجوز لأي قانون عادي أو لائحي أن يخالفها 0
كذالك يلتمس أهمية هذا البحث من الناحية العملية لأنه جاء مؤكد على سمو القواعد الدستورية لأنها تحتل مرتبة القمة في التدرج الهرمي القانوني لأنها تصدر عن سلطة تاسيسة تمثل الشعب وإرادته وطموحاته ، ومن ثم هذا البحث جاء مؤكد لما يسير عليه العمل من جعل القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية في مرحلة ثانية من حيث السمو والقوة تليها في مرحلة ثالثة القرارات واللوائح التي تصدر عن السلطة التنفيذية الأمر الذي يرتب البطلان لكل قاعدة قانونية أو لائحية تخالف القاعدة الدستورية باعتبار الأخيرة هي القاعدة السامية على غيرها من القوانين والأنظمة واللوائح لأنه المعروف أن الدستور هو الذي ينشا السلطات في الدولة فكيف لقاعدة وضعتها هذه السلطات تخالف القاعدة و التي بموجبها وجدت هذه السلطات ؟؟؟
كذالك لهذا البحث أهميته العملية لأنه تناول سمو الدستور ومدى سمو القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2005م باعتباره دستور لنا ، وهذا لا شك يفيد القارئ القانوني لاسيما إثراء المكتبة القانونية بالمزيد من البحوث الهامة الخاصة في مجال القانون الدستوري والنظم السياسية خاصة في ظل قلة الكتب والبحوث في هذا المجال الهام 0
تساؤلات البحث :-
في حقيقة الأمر انطلاقا من أهمية مبدأ سمو الدستور يثار التساؤل حول ماهية مبدأ سمو الدستور ؟ وهل هذا السمو للدستور يكون من الناحية الموضوعية لقواعده أم يشمل النواحي الشكلية ؟؟
وماذا يترتب على التسليم بسمو القواعد الدستورية ؟ وهل هناك ما هو اعلى من الدستور ؟؟
كذالك يثار تساؤل حول مدى سمو القواعد القانونية للقانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2005م ؟؟؟
تقسيم البحث :-
لإثراء البحث وتوضيح فكرته وتحقيق الهدف المنشود منه رأى الباحث تقسيم خطة شرح مبدأ سمو الدستور إلى ثلاث مباحث على النحو التالي :
المبحث التمهيدي : ولتوضيح فكرة سمو الدستور لا بد من التمهيد الذي يشمل على ما يلي 0
• تعريف الدستور
• الطبيعة القانونية لقواعد الدستور
• ماهية مبدأ سمو الدستور
المبحث الأول : السمو الموضوعي للدستور
وينقسم هدا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي :
• المطلب الأول : ماهية السمو الموضوعي للدستور
• المطلب الثاني : آثار السمو الموضوعي للدستور
المبحث الثاني : السمو الشكلي للدستور
وينقسم هدا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي :
• المطلب الأول : ماهية السمو الشكلي للدستور
• المطلب الثاني آثار السمو الشكلي للدستور
المبحث الثالث : سمو قواعد القانون الأساسي الفلسطيني المعدل
لعام 2005م 0
الخاتمة : وتشمل على ما يلي :
• النتائج
• التوصيات
المبحث التمهيدي
لا يكاد يختلف اثنين أن الدستور هو قمة النظام القانوني وقاعدة الحكم في الدولة بل تنظم جميع السلطات وفقا لأحكامه ومن هنا جاءت فكرة أساسية دستورية قانونية منطقية أن قواعد القانون الدستوري ترجمته بما يعرف بمبدأ السمو الدستوري 0
كما هو معروف لإثراء هذا البحث لابد من التطرق لتعريف الدستور وبيان الطبيعة القانونية لقواعده وصولا لبيان ماهية سمو الدستور وذالك عبر النقاط الآتية :-
تعريف الدستور :-
مما لا شك فيه أن تعريف الدستور قد أخذ موضع الخلاف بين الفقه الدستوري نظرا لإختلاف الزاوية التي ينتظر منها كل فقيه في تعريفه للدستور ولذلك وجد تعريفات متعددة للدستور سواء من الناحية الموضوعية أو الشكلية لذلك أدرج بعض الفقهاء على المعيار الشكلي في تعريف الدستور معتمدين على شكل الدستور في أن يكون بموجب الوثيقة الدستورية وعلى هذا يعرف الدستور وفقا لهذا المعيار " بأنه مجموعة القواعد والأحكام والنظم المكتوبة التي تحتويها الوثيقة الدستورية .
وقد عرفه الفقه الدستوري من الناحية الموضوعية بأنه مجموعة من القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبين سلطتها العامة وعلاقتها يبعضها وعلاقة الأفراد بها كما تقرر حقوق الفرد وحرياته المختلفة وضمانات هذه الحقوق وتلك الحريات .
وأي كانت هذه التعريفات المختلفة نظرا لإختلاف كل زاوية ينظر إليها الفقيه فإننا نتفق بأن الدستور هو القانون الشامل الأساسي العام الذي يحكم الوطن وفقا لمبدأ عموميته وشموليته لنظام الحكم فيه وتنظيمه للسلطات الثلاثة وتحدد الحريات العامة بحيث يطال حكمه كل من يعيش داخل حدود الوطن وذلك فهو سيد القانون
ومن هنا لا بد من التأكيد على أن الدستور هو رأس النظام القانوني لأي دولة أي كان نظام حكمها ملكي أوجمهوري بل يحدد طبيعة هذا النظام هل هو اشتراكي أم ديمقراطي علماني أم غير ذلك كذلك يبين الدستور فإدا كان الوطن إتحاد فدرالي يتألف من ولايات وأقاليم تتمتع بشيء من الاستقلال الذاتي وفي هذه الحالة يبين الدستور حدود هذا الاستقلال أو غير ذلك 0
من هنا يري الباحث أن الدستور هو مجموعة من القوانين الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتنظم السلطات العامة في الدولة من حيث اختصاصاتها وعلاقتها يبعضها وتحدد حقوق وحريات أفراد الدولة " وبالتالي وجود الدستور يعني إقامة النظام السياسي والقانوني للدولة الأمر الذي جعله يمثل قمة النظام القانوني في الدولة وجعل قواعده تسمو علي غيرها من القواعد القانونية الأخرى لهدا نجد طبيعة خاصة لقواعد وهدا ما نبينه في النقطة التالية 0
*الطبيعة القانونية لقواعد الدستور:-
لا شك بأن الدستور يحتوي علي قواعد تحدد بموجبها وجبات وحقوق الأفراد داخل المجتمع وتحدد شروط ممارسة السلطة السياسية من قبل المواطنين باعتباره وذالك حق لهم وهو الحامي المستمر للحقوق والحريات ولا تكاد دولة تخلو من دستور أوقانون أساسي لها 0
ولا شك أن قواعد القانون الدستوري قواعد اجتماعية لأنها تنظم علاقة الدولة بالأفراد الخاضعين لسلطاتها كما أنها قواعد عامة لأنها لا تخاطب أفرادا بدواتهم ولكن هل هي قواعد ملزمة ويترتب الجزاء علي مخالفتها ؟
ومن هنا ذهب فريق إلي القول أن القاعدة الدستورية هي قواعد قانونية لها السمو علي غيرها من القواعد القانونية الأخرى وتعد في الوقت ذاته مصدر لهذه القواعد في الدولة وبالتالي طبيعتها نفس طبيعة القاعدة القانونية وما تحمله من عنصر الإجبار أي أن يتوافر جزاء يكفل احترامها0
وهناك فريق آخر يري أن القواعد الدستورية ليس من الطبيعة القانونية وأساس ذ ذلك يكمن في عنصر الجزاء فالقاعدة الدستورية تورد قيودا علي السلطة الحاكمة التي تقوم بتوقيع الجزاء فتجعلها أن توقع الجزاء علي نفسها إذا خالفت أحكامها لهذا فالقاعدة الدستورية هي أعلي من القاعدة القانونية الأقل منها درجة وهي ملزمة بجميع السلطات بما فيها السلطة التشريعية التي تصدر عنها القاعدة القانونية0
وفي ظل هذا الاختلاف حول طبيعة القواعد الدستورية ونوع الجزاء الذي يترتب عليها يرى الباحث بأن القواعد الدستورية هي قواعد قانونية ملزمة ترتب جزاء علي مخالفتها سواء علي الأفراد الطبيعيين أو السلطات العامة في الدولة وفقا لمبدأ سمو الدستور وقواعده التي تتخذ ذاتية خاصة لها وهذا ما نبينه في النقطة التالية0
*ما هية مبدأ سمو الدستور :-
يقصد بمبدأ سمو الدستور هو علو قواعده الدستورية وسيادتها علي سائر القواعد القانونية في الدولة ، وهدا يعني أن أي قانون تصدره الدولة يكون محكوما بالقواعد الدستورية ويجب أن لا تخالف الدستور ويعني أيضا أن نظام الحكم في الدولة محكوما بالقواعد الدستورية وأي سلطة من سلطات الدولة لا يمكن أن تمارس إلا السلطة المخولة لها بمقتضي الدستور0
ومبدأ سمو الدستور لا يسود إلا في ظل النظم الديمقراطية وقد نصت عليه بعض الدساتير مثل دساتير بعض الولايات المتحدة الأمريكية دستور تشيكو سلوفاكيا سنة 1930م والدستور الإيطالي سنة1947م ومع ذالك فإن معظم الدساتير لا تنص علي هذا المبدأ لأنه مقرر ومسلم به دون نص عليه0
ومن هنا يرى الباحث أن البحث في مبدأ سمو الدستور يستند إلي ضرورة التوصل لمعرفة شكل القواعد الدستورية وذلك عندما يتطلب الدستور إجراءات وأوضاع معينة سواء في وضعه أو تعديله وهدا ما يطلق عليه السمو الشكلي أو بالنظر إلي ما تحتوي عليه القاعدة الدستورية من حيث مضمونها وهدا ما يسمي بالسمو الموضوعي والأخير يثبت لجميع أنواع الدساتير المدونة والغير مدونة المرنة والغير مرنة بعكس الأول يتحقق حفظ لدساتير المدونة الجامدة وهذا ما نوضحه في المبحث الأول والثاني