المؤمنين إخوة تجمعهم رابطة أخوة الدين مع أخوة البشرية، فقال سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10)، ومقتضى هذه الأخوة الإيمانية التواصل والمحبة في الله عز وجل بين المسلمين، ونبذ التباغض والتنازع، وعدم الانسياق وراء النزغات الشيطانية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ، وكونوا عباد الله إخوانا).رواه مسلم والربيع
ومما يؤسف له ما نراه اليوم بين كثير من المسلمين من هجر وقطيعة وجفاء بدون مبرر شرعي، رغم علمهم بإثم ذلك، فقد حرم الإسلام على المسلم أن يقاطع أخاه المسلم، ويجفوه، ويعرض عنه، فإذا ما حصل خلاف أو تشاحن أو غضب بين مسلمين فلا يجوز هجر أحدهما للآخر بلا مبرر شرعي، فرابطة الأخوة الإيمانية التي تربطهما تمنعهما من ذلك.
وعلى المتخاصمين أن يصفيا ما بينهما من خلاف أو هجران أو خصام وفقًا لمقتضى الأخوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عزوجل لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء - عداوة - فيقال: اتركوا هذين حتى يصطلحا، اتركوا هذين حتى يصطلحا). رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)،رواه مسلم والربيع، فيحرم على المسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال.
ومع أنه لا ينبغي ابتداء أن يهجر المسلم أخاه لكن لو حصلت مشاحنة بين مسلمين لأمر من أمور الدنيا وأدت إلى شيء من الهجر لحاجة تدعو إليه فإنه لا ينبغي أن يتجاوز ذلك - إن وقع - ثلاثة أيام؛ حيث يحرم أكثر من ذلك، والحكمة من تحديد مدة ثلاثة أيام لا يحل بعدها للمسلم أن يستمر في خصومته وكراهيته لأخيه المسلم هي أنها مدة كافية لزوال انفعال الغضب والكراهية، ورجوعه إلى رشده بعد زوال غضبه، وتناسي الأحقاد والضغائن، ولكن عليه بعدها أن يسارع إلى أن يصالح أخاه وأن يسلم عليه إذا لقيه. ومن كان صاحب حق فيكفي أن يأتيه أخوه معتذرًا، وعليه أن يقبل اعتذاره وينهي الخصومة، ولا يجوز أن يرده ويرفض اعتذاره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).رواه البخاري والربيع
وتتأكد حرمة الهجر إذا كانت لذي قرابة رحم أوجب الإسلام صلته، وأكد وجوبها ورعاية حرمتها لقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(النساء: من الآية1)، وروي أن الحسين بن علي رضي الله عنه قد تخاصم مع أخيه محمد بن الحنفية، وكان محمد أخاه من أبيه، وبعد أيام كتب محمد بن الحنفية للحسين رسالة جاء فيها: (السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أما بعد، أرجو إذا أتاك كتابي هذا أن تبادر إليّ بالسلام؛ لأني أجد من الواجب عليّ أن آتي إليك، ولكن بما لك عليّ من الفضل وإن أمك أفضل من أمي، فأمك بنت رسول الله وأمي ما هي إلا جارية، لذلك أرجو أن يكون الفضل لك بقدومك إليّ). فما أن وصل كتاب محمد بن الحنفية إلى الحسين حتى قام لساعته وذهب إلى محمد بن الحنفية، فالتقى به في منتصف الطريق، فتعانقا وتصالحا وبكى الاثنان.
وقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم من يستمر في هجرانه لأخيه المسلم أكثر من ثلاثة أيام بالعقاب الشديد في الآخرة، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار).رواه أبوداود
ويستثنى من ذلك ما إذا كان الهجر لأجل معصية من كبائر الذنوب ارتكبها ذلك المهجور ولم يتب عنها رغم مناصحته وتخويفه بالله تعالى، فإنه يجوز أن يُهجر ثلاث ليالٍ وأكثر؛ لأن في الهجر ردعًا له، لعله يتوب، إلا إذا كان في هجره محذور بأن يخشى أن يزيد المعصية، وأن يترتب على الهجر مفسدة أكبر، فإنه لا يجوز هجره في هذه الحالة.