دولة العصافير
دولة عجيبة …. تبسط اجنحتها الصغيرة على الدنيا …. وتنشر افرادها في كل البقاع , لا تخفى من الارض , ولا تخلو منها سماء ….كله في عين الوقت ا رات عين الشمس زقزقت , او اذا خرج الصبح من جوف الليل خرجت هي من الاعشاش ….. من هو المنادي الخفي الذي يوقضها جميعا في لحظة واحدة ! فتهب الى العمل وهي تغني …. فلا كسلان متخلف …. ولا متثائب مترف ……
قال عصفور صغير لابيه ذ ات يوم :
- السنا نحن يا ابت خير المخلوقات !,,
فهز العصفور الكبير راسه وقال :
- هدا شرف لا ينبغي لنا ان ندعيه , هنالك من يزعم لنفسه هدا الحق ..
- من هو يا ابت ؟
- الانسان….
-الانسان ؟….. ذلك الذي يرشق اعشاشنا بالحجارة ؟… اهو خير منا ؟.. اهو اسعد منا ؟….
- ربما كان خيرا منا … لكنه ليس اسعد منا ….
- لمادا يا ابت ؟؟
- لان في جوفه شوكة تخزه دائما وتعذبه …
- يا له من مسكين !.. ومن الذي وضع فيه هذه الشوكة ؟….
- هو نفسه بيده ….. الشوكة تسمى الجشع ….
- الجشع ؟؟… وما هو الجشع ؟….
- هدا الشى لا تعرفه انت ايها الصغير … بل لا يعرفه احد من دولة العصافير .. ولكني عرفتة من لطول ملاحظتي للانسان , ولوقوعي في قبضته اكثر .. انة الشى الذي يجعله لا يشبع ولا يطمئن ولا يرتاح .. نحن نعرف الشبع .. وهو لا يعرف الا الجوع.. نحن نعمل لنرزق , وهو ان يرزق ولا يعمل , نحن لا نعرف استغلال عصفور لعصفور … فعصافير الارض تخرج كلها للعيش فرحة مغردة متواضعة متآخية , وهو لا يحلم الا باستغلال اخية الانسان ليعمل بدلا منه منذ الصباح الباكر , ويتمدد هو في فراشه يتمطى ويتراخى ويتثائب حتى الضحى … فلا يرى الشمس الذهبية , ولا الفجر الفضى و ولا يستنشق الهوى النداء … انما شمسه ذهب مرصود في المصارف , وفجره فضة تزين ادوات حجرته وهواؤه طمع يملأ صدره …..
وسكت العصفور المجرب لحظة , ونظر الى ابنه الناشى يصغى الى هذا الكلام اصغاءه الى اسطورة خيالية .. انه يدرك ولا يصدق , ويعى ولا يعتقد .. تلك الاشياء لم برها بعينه , ولم يصادفها بعد في حداثته الصغيرة … ولم يمارسها حتى الان في حياته القصيرة …
وراى ابوه منه ذلك فقال :
- نعم … لابد ان تشاهد بعينك .. ادا رايت يا بنى انسانا مقبلا فاخبرني وانا اريك منه ما يقنعك ….
ولم يمضى قليل حتى اقبل رجل , فما كاد العصفور الصغير يراه حتى صاح بأبيه ينبهه .. فقال الاب لابنه :
- سأوقع نفسي في يده , وعليك يابني ان تراقب ما سيحدث ..
- تقع في يده يا ابي ؟….. واذا حدث لك ضرر ؟…..
- لا تخف …. اني اعرف طبائع الانسان , واعرف كيف اسخر منه وافلت من يده ….
وغادر العصفور المحنك صغيره , وهبط من فوره حتى وقع على مقربة من الرجل , فصاده الرجل فرحا , وضم عليه اصابعه حرصا منه على الغنيمة …. فقال له العصفور وهو في قبضته :
- ماذا تريد ان تصنع بي؟
فقال الرجل منهوما :
- اذبحك وآكلك…
فقال العصفور الماكر :
- اني لا اشبعك من جوع , ولكنني استطيع ان اعطيك ما هو انفع من اكلي …
- مادا تعطيني ؟….
- ثلاث حكم , ادا تعلمتها نات بها خيرا كثيرا …
-اذكرها لي ….
- لي شروط : الحكمة الاولى اعلمك اياها وان في يدك , والحكمة الثانية اعلمك اياها اذا اطلقتني , والحكمة الثالثة اعلمك اياها اذا صرت على الشجرة …..
- قبلت … هات الاولى …
- لا تتحسر على ما فاتك….
- والثانية ؟…
- اطلقني اولا حسب الشرط …
فأطلق الرجل من يده العصفور , ووقف العصفور على ربوة بقربه وقال :
- الحكمة الثانية : لاتصدق ما لا يكون ان يكون …
ثم طار الى الشجرة وهو يصيح :
- ايها الانسان المغفل …. لو كنت ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درتين زنة كل درة عشرون مثقالا ….
فعض الرجل على شفتيه عضة ادمتهما , وتحسر حسرة شديدة , ونظر الى العصفور وقد صار على الشجرة , وتذكر شروطه , فقال له بصوت ينزف منه العذاب والتلهف :
- هات الحكمة الثالثة ….
فقال العصفور باسما ساخرا :
- ايها الانسان الطماع !…. لقد اعماك جشعك فنسيت الاثنتين , فكيف اخبرك بالثالثة ؟…. الم اقل لك لا تتحسر على ما فاتك , ولا تصدق ما لا يمكن ان يكون … ان لحمي وعظمي ودهني وريشي لا يزن عشرين مثقالا … فكيف تكون في حوصلتي درتان وزن كل واحد عشرون مثقالا ؟!…..
وكان منظر الرجل مضحكا …. لقد استطاع عصفور ان يلعب بإنسان …. والتفت الاب الى ابنه الصغير فائلا :
- والآن رأيت بعينيك ؟!….
فقال الصغير وهو يراقب حركات الرجل ويلاحظ ما به :
- نعم……………. لست ادري هل اضحك منه او ابكي عليه !……..