تعالوا نستل سيف الحق مع أولئك الصادقين... نقارع معهم أهل الردة في حرب ضروس رفعت راية الإسلام خفاقة بعد أن عادت أشواك الوثنية لتبتلع ضعاف النفوس من أعراب الجزيرة.
تعالوا نشد من أزر البواسل المسلمة التي تهافتت على حديقة الموت تريد مسيلمة الكذاب وأتباعه.. تحاصره بأفئدة تواقة للشهادة.. يتقدمهم حفظة كتاب الله بقلوبهم المفعمة يرجون لقاء ربهم الباري ونبيهم الهادي.. صدروهم مشرعة لا يرهبها الوغى ولا يخيفها المنون... يحلمون بالقضاء على شوكة الكفر التي ظهرت بعد وفاة نبي الأمة عليه الصلاة والسلام لتحصد هذه المعركة عدداً كبيراً منهم... فتعود بعدها شمس الإسلام مشرقة في أنحاء الجزيرة العربية تضيء القلوب المعتمة بنور الحق بعد أن غطاها ثوب الوثنية ردحاً من الزمن.
حتى إذا انقشعت الغمة... وهدأ نقع المعارك... اعتلى الخوف القلوب المؤمنة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مقدمتهم الفاروق عمر الذي نظر إلى استشهاد حفظة القرآن الكريم بتساؤل وجل : أيموت الحفظة والقرآن في معظمه محفوظ في صدروهم ؟
ليعظم السؤال في نفسه حرصاً على مصير الدين والقرآن هو الدستور الأول للإسلام.
فيتحرك بوجله الذي يحمله بين أضلعه على دين الله... تسوقه قدماه إلى أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحثه على جمع القرآن الكريم.. و ما إن انشرح صدر الخليفة للفكرة حتى أوكل أمر هذه المهمة لزيد بن ثابت وجمعاً من الصحابة الكرام...
وما إن انتهى العمل المهيب ورفعت الأقلام وجفت الصحف وحفظ القرآن في كتاب واحد ، رأى الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته وضع المصحف عند سيدة من سيدات الدنيا والآخرة
فمن هي هذه السيدة ؟
إنها حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية القرشية.. ولدت قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام بخمس سنين.. كانت زوجة لخنيس بن حذافة السهمي.. هاجرت معه إلى المدينة ، وشهد زوجها بدراً ثم استشهد متأثراً بجراحه.. وهي لم تتجاوز بعد الثامنة عشر ربيعاً، فحزن عمر بن الخطاب لمصابها وأراد أن يزوجها ممن يرضى الله ورسوله عنه.. فعرضها على عثمان وكانت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج عثمان قد توفيت حديثاً فسكت عثمان ولم يجب عمر.. فعرضها عمر على أبي بكر الصديق فسكت أبو بكر كما سكت عثمان من قبله.. الأمر الذي أغضب عمر فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو له ما جرى ولم يكن يدري أن الله عز وجل اختار لحفصة من هو خير من عثمان وأبي بكر لتصبح زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأماً للمؤمنين.
عاشت حفصة بنت عمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حياة طبيعية كانت خلالها الزوجة التي تحب وتكره.. تغار وتشتكي.. تغضب وتسأل وتجادل.. وقد اختارت من بين أمهات المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق لتكون صديقتها وموضع سرها حتى أن السيدة عائشة وصفتها بأنها بنت أبيها كدليل على فضلها.
وقد تركت لنا كتب السيرة عن حياتها وقصصها مع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير.. لكنها كانت في كل خطاها ممسكة بزمام أهوائها.. قد تخطئ في بعض أمرها ، وهذا حال المؤمن لكنها تكون خير التوابين.. فلم توكل نفسها للحظة تنال بها غضب الله بل كانت كما قال عنها جبريل عليه السلام للنبي عليه الصلاة والسلام : إنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة.
روت حفصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة قيل إنها بلغت ستون حديثاً.
هذا الصوامة القوامة حفصة بنت عمر أم المؤمنين التي عاشت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة السبع سنوات تزداد إشراقاً مع الأيام حين اختيرت من أجلاء الصحابة لتكون حارسة القرآن الكريم.
فأي شرف يعطيه الإسلام للمرأة المسلمة حين تكون حارسة للقرآن الكريم في عصر تكاثرت فيه النجوم الزاخرة في سماء الأمة الإسلامية.
هذا هو إسلامنا دين العظمة... دين الحقوق .. الدين الذي أعطى للمرأة مكانتها فكانت حاضنة الإسلام الأولى هي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.. وها هي حارسة القرآن الأولى حفصة بنت عمر فجزاها الله عن الإسلام والمسلمين كل الخير