أو تحمله عني يوم القيامة ؟
مالت الشمس عن كبد السماء، وحط الليل رحاله بالمدينة، وطرح عمر رضي الله عنه النوم من عينيه، فخرج يتفقد أحوال الرعية.
وبينما هو يصارع الظلام، تسرّب إلى أذنيه صوت أطفال يبكون بحُرقة، اقترب من الصوت فإذا هو بامرأة في جوف دار لها، وحولها صِبيان يصرخون، وإذا قِدر على النار قد ملأتها ماءً، فدنا عمر رضي الله عنه من الباب، فقال: يا أمة الله، ما بكاء هؤلاء الصبيان ؟!قالت: بكاؤهم من الجوع.قال عمر رضي الله عنه: فما هذا القدر التي على النار ؟
قالت: قد جعلت ماءً أعللهم ( أشغلهم ) به حتى يناموا، وأوهمهم أن فيها شيئاً، فشهق عمر رضي الله عنه بالبكاء ثم جاء إلى دار الصدقة، وأخذ شوالا كبيراً، وجعل فيها شيئاً من دقيق وشحم وسمن، وتمر وثياب ودراهم حتى ملأها، ثم اتجه ناحية ( أسلم ) الذي كان يرافقه قائلاً:يا أسلم احمل علىّ.قال أسلم : يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك.فقال عمر رضي الله عنه لأسلم في حدة:لا أم لك يا أسلم .. أو تحمله عني يوم القيامة ؟فحمله حتى أتى به منزل المرأة، فأخذ القِدْر فجعل فيها دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده، وينفخ تحت القدر حتى خرج الدخان من خلال لحيته حتى طبخ لهم، ثم أخذ يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج ورَبّض بحذائهم كأنه أسد، فلم يزل كذلك حتى لعب الصبيان وضحكوا، ثم قامفقال: يا أسلم تدري لمَ ربضتُ بحذائهم.قال أسلم: لا.قال عمر رضي الله عنه :رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون ..فلما ضحكوا طابت نفسي .