لماذا لا نسمع صوت العذاب في القبور ؟؟
والحكمة من جعله من أمور الغيب هي:
أولاً : أن الله – سبحانه وتعالى – أرحم الراحمين فلو كنا نطلع على عذاب القبور لتنكد عيشنا، لأن
الإنسان إذا اطّلِع على أن أباه ، أو أخاه ، أو ابنه ، أو زوجه ، أو قريبه يعذب في القبر ولا يستطيع
فكاكه ، فإنه يقلق ولا يستريح . وهذه من نعمة الله سبحانه .
ثانياً : أنه فضيحة للميت فلو كان هذا الميت قد ستر الله عليه ولم نعلم عن ذنوبه بينه وبين ربه عز
وجل ثم مات وأطلعنا الله على عذابه ، صار في ذلك فضيحة عظيمة له ففي ستره رحمة من الله بالميت .
ثالثاً : أنه قد يصعب على الإنسان دفن الميت كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام : " لولا ألا
تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم من عذاب القبر" رواه مسلم 2868 .
ففيه أن الدفن ربما يصعب ويشق ولا ينقاد الناس لذلك ، وإن كان من يستحق عذاب القبر عذب ولو
على سطح الأرض ، لكن قد يتوهم الناس أن العذاب لا يكون إلا في حال الدفن فلا يدفن بعضهم بعضاً.
رابعاً: أنه لو كان ظاهراً لم يكن للإيمان به مزية لأنه يكون مشاهداً لا يمكن إنكاره ، ثم إنه قد يحمل
الناس على أن يؤمنوا كلهم لقوله تعالى : ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ) غافر / 84 ، فإذا
رأى الناس هؤلاء المدفونين وسمعوهم يتصارخون آمنوا وما كفر أحد لأنه أيقن بالعذاب ، ورآه رأي
العين فكأنه نزل به .
وحِكَم الله سبحانه وتعالى عظيمة ، والإنسان المؤمن حقيقة هو الذي يجزم بخبر الله أكثر مما يجزم بما
شاهده بعينه ؛ لأن خبر الله عز وجل لا يتطرق إليه احتمال الوهم ولا الكذب ، وما تراه بعينيك يمكن أن
تتوهم فيه ، فكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال، وإذا هي نجمة ، وكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال
وإذا هي شعرة بيضاء على حاجبه وهذا وهم ، وكم من إنسان يرى شبحاً ويقول:هذا إنسان مقبل،
وإذا هو جذع نخلة ، وكم من إنسان يرى الساكن متحركاً والمتحرك ساكناً ، لكن خبر الله لا يتطرق
إليه الاحتمال أبداً.
نسأل الله لنا ولكم الثبات ، فخبر الله بهذه الأمور أقوى من المشاهدة ، مع ما في الستر من المصالح
العظيمة للخلق . والله أعلم ."