الحمد لله رب العالمين، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل سبحانه: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله سيد الصابرين، القائل صلى الله عليه وسلم :« إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم » اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أيها الأخوة الكرام: إن الله سبحانه وتعالى جعل الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان، كما جاء في الحديث :« الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره». وإن الإيمان بالقدر يقود الإنسان إلى التسليم الكامل لإرادة الله تعالى، والرضا عن أمر الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه». وإن الإيمان بقدر الله تعالى يستلزم الصبر على البلاء، فالله عز وجل يبتلي عباده ليرفع مقامهم عنده، قال صلى الله عليه وسلم :« إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ». عباد الله: إن البلاء إذا أصاب أحدا من العباد فلا راد لقضاء الله, ولا مبدل لحكمه, قال الله تعالى وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) فمن الحكمة أن يواجه المسلم البلاء والشدائد بالصبر والتحمل, لأنه بذلك يحول المنع إلى عطاء, والمحنة إلى منحة, فالصبر مطلب ضروري لتحقيق الطمأنينة في الدنيا, ونيل الجزاء العظيم والفوز المبين في الآخرة, وقد أمرنا ربنا جل في علاه بالصبر في كتابه المبين, قال سبحانه واصبروا إن الله مع الصابرين ) ووعد الله جل جلاله الصابرين بأجر لا يعلمه إلا هو, قال سبحانه إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وأوجب عز وجل محبته للصابرين فقال والله يحب الصابرين). وقد أعد الله تعالى للصابرين بيت الحمد في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا مات ولد العبد قال الله سبحانه وتعالى للملائكة: أقبضتم ولد عبدي؟ قالوا: نعم. قال: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا: نعم. قال: فما قال؟ قالوا: استرجع وحمدك ، قال: ابنوا له بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد» أيها المسلمون: لقد ابتلي الأنبياء عليهم السلام فصبروا واحتسبوا، وكان من قولهم فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) وقولهم إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) وابتلي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بفقد أولاده في حياته، ولما مات ولده إبراهيم قال :« إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» وإن مما يعين على الصبر والتسليم لقضاء الله وقدره اليقين بما عند الله وأنه سبحانه لا يريد بالعبد إلا خيرا, قال صلى الله عليه وسلم: « ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ». وأن الله تعالى سيجعل بعد العسر يسرا, وبعد الكرب فرجا, وبعد الضيق مخرجا, وسيجزي الصابرين بأحسن الجزاء, وسيعوضهم على صبرهم خيرا عظيما, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها». اللهم اجعلنا عند البلاء من الصابرين, وعند النعماء من الشاكرين برحمتك يا أرحم الراحمين. ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على سيد البشر، المصطفى الأغر، الشافع المشفع في المحشر، فقد ندبكم لذلك المولى تبارك وتعالى وأمر، في أفضل القيل وأصدق الخبر، ومحكم الآيات والسور، فقال سبحانه قولاً كريماً: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيما ويَقُولُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »([رواه مسلم]) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ