دق جرس المدرسة الإبتدائية معلنا بدء الحصة الخامسة .. توجهت مدرّسة الرسم للفصل الثالث ، وما إن جلست التلميذات بعد أداء التحية ، كتبت المدرسة على التختة بخط جميل :
ارسمى واجهة منزلك ، وإظهرى المناظر الجميلة من زرع ، واقفاص العصافير ، والملابس الزاهية وهى ترفرف على المناشر !!
إنهمكت التلميذات فى الرسم والتلوين بالألوان المائية ..
وقبل إنتهاء الحصة ، تجمعت الإسكتشات على طاولة المعلمة..
إستوقفها رسما لإحدى التلميذات ، وأخذت تتأمله وهى مندهشة ..فقد وجدت شيئا ضخما أسود اللون يملأ الصفحة !! .. وفى الركن الأيسر منها رسما ً لفتاة صغيرة ترفع يدها للسماء !!
قلـّبت المعلمة فى كراسة الرسم بإندهاش ، وقرأت بصوت عال ٍ فيه نبرة النداء : لورا مروان !!
.. ولورا مروان هى إحدى التلميذات الفلسطينيات التى فقدت ابويها فى مذبحة من مذابح اليهود فى الأرض المحتلة ..وأحضرتها خالتها لتعيش معها فى القاهرة ..
سألتها المعلمة بحنان عن سر اللوحة ، فترغرغت عينى لورا بالدمع ، وبصوت خفيض متهدج ، همست :
خلف هذا الشيئ الأسود الضخم . كان منزلى !!.. وأما الشيئ الأسود فهو جرافة من جرافات اليهود ، هدمت دارنا .. وقتلت أمى وأبى .. وأتلفت الزرع و الشجر .. وفزعت الطيور وحلقت نحو السماء .. أما ملابسنا الزاهية فهى تحت التراب والأنقاض !!.. وهذه الفتاة التى فى هذا الركن فهى أنا ، أسال ربى لماذا؟!..
لم تستطع المعلمة أن تحبس دموعها ، فتساقطت الدموع على الرسم الذى لم تجف ألوانه بعد ، ورسمت الدموع على الصفحة السوداء حروفا أشبه بكلمة : الثأر !!