lor=red]]ما هو دور الإنسان في المنظر الطبيعي؟
غينسبورو لم يكن يساوره شكّ في أن وظيفة الإنسان هي أن يملأ الفراغ في المنظر أو أن ينشئ عملا بسيطا يمكن أن يصرف انتباه العين عن الأشجار للحظات قبل أن تعود للتركيز عليها مجدّدا. أي أن وجود الشخص في المنظر الطبيعي هو وجود إضافي أو كمالي وليس أساسيا.
لوحات المناظر الطبيعية هي موضوع بيئي، لأنها تصوّر العلاقة بين الطبيعة والبشر، بين الأرض وساكنيها.
وبعض الرسّامين طبقوا شعار وليام بليك الذي يقول: حيث لا يوجد إنسان، تصبح الطبيعة قاحلة". وبالنسبة لهم، فإن العالم الأخضر ليس سوى مكان أو خلفية تجري عليها القصص والأحداث الإنسانية.
لكنْ بالنسبة لآخرين مثل غينسبورو فإن العكس هو الصحيح. الأشجار هي العنصر الأهمّ. أما العنصر الإنساني فليس سوى علامة أو رقم لا وظيفة له سوى سدّ أو ملء الفراغ في اللوحة.
لكنّ هناك نوعا من المناظر الطبيعية التي تكون فيها علاقة الإنسان بالطبيعة أشدّ تعقيدا وأكثر دراماتيكية.
تأمّل، مثلا، هذه اللوحة للرسّام الفرنسي كلود لورين. هذا الفنّان عُرف بمناظره المتوهّجة ذات الألوان الزرقاء والبنيّة والخضراء والتي تثير شعورا بالسكينة الممزوجة بقدر من الحنين والحزن.
موضوع لوحته هذه مأخوذ من قصّة "إسكينيوس والأيل" التي وردت في الميثولوجيا الرومانية. حتّى عنوان اللوحة يشي بالتوتّر. الطبيعة والأشخاص فيها يقفان على طرفي نقيض. البشر هنا ليسوا مواطنين أصليين كما أنهم ليسوا سادة المكان. بل هم غرباء عنه، غزاة ومدنّسون.
الأشخاص، ببساطة، ليسوا هنا. ومن الواضح أن هناك مدخلا. حفلة الصيد تصل إلى المكان من خلال الطرف الأيسر من الصورة. تحتاج لأن تعرف القصّة من فيرجيل كي تأخذ فكرة عن طبيعة التعدّي الآثم الذي تصوّره اللوحة عن قتل حيوان مقدّس. في القرون الوسطى شاع اعتقاد يصوّر الأيل كقوّة مقدّسة ومضادّة للشرّ بسبب ميل ذلك الحيوان لسحق الأفاعي بقدميه.
مشهد لورين يتحدّث بشكل جيّد عن نفسه. ففيه نفحة من المغامرة والرومانسية. لكنّ فيه، أيضا، شيئا يذكّر بعادات المستعمرين. فالمستكشفون يشقّون طريقهم عبر الغابة بينما تبدو خلفهم بقايا آثار ضخمة عن حضارة سادت ثم بادت. من الواضح أنهم دخلاء على الطبيعة وعلى شيء ما فيها إنساني أقدم منهم وأعظم. ولأن شيئا لا يردعهم، فإنهم يبدون عاقدي العزم على إتمام فعلهم المشين.
الفعل يغطّي نطاق الصورة كلّها من رامي السهام إلى الأيل. والطبيعة تضع هذا في طابع درامي إذ تفصل ما بين الطرفين بنهر يقوم على ارض منحدرة. وبين رامي السهام والأيل منظر واسع وضبابي يفتح على الأفق. والأيل جاهز، في ما يبدو، لأن يُقتل.
لكنّ المكان يظلّ غريبا. وغرابته تتضمّن إحساسا بالزمن. فهذا عالم قديم. عالم يعود بآثاره إلى ماض سحيق كما يدلّ عليه المعبد الكلاسيكي المكسّر الذي يؤطّر المنظر. هذا المعبد كان رائعا في زمانه البعيد. الآن تضخّم بفعل الأشجار التي نمت واستطالت وأصبحت تحتلّ معظم الجزء الأمامي. هذا العالم المهجور كان ذات مرّة مركزا للنشاط البشري. لكنه اليوم أصبح مكانا تنمو فيه النباتات والخضرة. ليست هذه طبيعة بكرا تعثّر بها المغامرون. انه تاريخ قديم رائع وقد أصبح الآن امتدادا للحياة البرّية.
ولو تخيّلنا المشهد بدون الأشخاص وقصّتهم، فإن ما يبقى يمكن أن يكون من زمن الرسّام نفسه.
الأنقاض الكلاسيكية الضخمة كانت هي الشيء الذي يمكن أن تصادفه في ايطاليا خلال القرن السابع عشر، حيث كان يعمل الرسّام.
لكنّ حضور الأشخاص في اللوحة يضفي عليها غموضا اكبر. هذا المشهد يتضمّن حقبة زمنية وقصّة من العصور القديمة يجري إعادة تمثيلها بين بقايا الأطلال الدارسة.
النسَب في اللوحة هي عامل آخر أيضا. الأشخاص برغم أنهم طوال القامة جدّا، فإنهم - مقارنة بالأعمدة - ما يزالون صغارا وضئيلي الحجم. بل إن المعبد يبدو أكثر طولا وضخامة كما لو أن من شيّدوه هم جماعة من العمالقة. هذه طريقة أخرى يحاول من خلالها كلود لورين جعل الأشخاص في حالة عدم انسجام مع البيئة.
هؤلاء الأشخاص ليسوا أرقاما أو مجرّد علامات. كما أنهم لا يبدون ثابتين في أماكنهم في الصورة. العين تبتعد عنهم لتقع على طبيعة عظيمة وغير مضيافة. ثمّ تعود مرّة أخرى لتجد مجموعة من المتسلّلين الغرباء في الناحية الأخرى.
كان لورين متخصّصا في رسم المناظر الطبيعية المثالية والشاعرية. وكان يضع القصص الكلاسيكية بين الخرائب القديمة. براعته في تصوير أجواء الصباح والمساء والظلال الزاحفة والدخان اللامع أدهشت معاصريه ومن أتوا بعده. وكان أكثر من تأثروا به رسّامو الطبيعة [/justify]