ملحوظة هامة
أود التنويه بداية بأن موضوع القرار الإداري من أهم المسائل التي تصادف الشخص العادي من الناس وبالأخص الموظف العام وتؤثر في مصالحه نظراً لارتباطه بقرارات الجهات الإدارية المختلفة بالدولة وهو كذلك من أهم الاختصاصات التي يضطلع بها القضاء الإداري والتي من أجلها قد أنشأ ، هذا فضلاً من أن موضوع القرار الإداري ومادة القضاء الإداري عموماً التي تدرس في الكليات الحقوقية المختلفة لازالت تخرج معظم طلبتها وهم لم يتعرفوا بعد على ماهية القرار الإداري ولا كيفية التعامل معه قانوناً ولا أبالغ في القول بأن معظمهم إلا من رحم ربك لا يعرف ما هي مادة القضاء الإداري..
*الفرق بين القانون والقرار واللائحة:
ـ القانون: قواعد عامة ومجردة تصدر من السلطة التشريعية.
ـ القرار: هو إفصاح الإدارة في الشكل الذي يحدده القانون من إرادتها الملزمة بمالها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح ، وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان ممكناً وجائزاً وكان الباعث عليه المصلحة العامة.
ـ اللائحة: مجموعة قواعد تنظيمية قد تصدر من السلطة التشريعية أو من جهة الإدارة (مجموعة قواعد تنظيمية عامة تتصل بمجموعة من الأفراد).
المبحث الأول: (تمهيد)
لكي تقوم الإدارة بمزاولة نشاطها المتعلق بالأعمال القانونية والذي تباشره باعتبارها سلطة عامة ، فإنها تستخدم أحد أسلوبين:
الأول: يصدر من جانب واحد وهو جانب الإدارة ويسمى (القرار الإداري).
الثاني: يتم بموافقة الإدارة وطرف آخر ويسمى (العقد الإداري) .
وبما أن موضوع القرار الإداري يعد من الموضوعات ذات الطبيعة الهامة والحيوية ذلك أن أغلب اختصاصات القضاء الإداري في البلاد العربية وفرنسا يكاد يكون قائماً على فكرة القرار الإداري . ومن جهة أخرى يعتبر القرار الإداري أهم عناصر العملية الإدارية بل يعتبر جوهر عمل المسئولين في الحكومات المختلفة . وتأسيساً على ما سبق بهذه النبذة المختصرة عن مدى أهمية القرار الإداري في تسيير العمل الإداري فسأكتفي في هذا البحث بالحديث عن الأسلوب الأول وهي القرارات الإدارية.
المبحث الثاني : التعريف بالقرار الإداري:
أولاً: تعريف القرار الإداري :
هو إعلان الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إنشاء أو تعديل أحد المراكز القانونية متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً ، وكان الهدف منه تحقيق المصلحة العامة..
ويستوي أن يكون إعلان الإدارة لإرادتها صريحاً أو ضمنياً . والقرار الضمني هو الذي يستنتج من سكوت الإدارة بالنسبة لموقف معين ـ كما سنوضحه في المباحث القادمة..
ومن هذا التعريف يتضح أن القرار الإداري:
أولاً: عملاً قانونياً ، وبالتالي لا يدخل في إطاره الأعمال المادية لأنها لا تنشأ ولا تعدل مركزاً قانونياً:
والأعمال المادية التي تقع من إحدى السلطات الإدارية:
1ـ إما أن تتم عن (غير قصد) من الموظف المختص نتيجة (خطئه) أو عدم تحريه الدقة ، ومثال ذلك: أن يتخذ أحد الوزراء أو وكلاء الوزارة أو المدراء أو أي شخص له سلطة إصدار القرار قراراً يتعلق بأحد الأمور الإدارية لوزارة أخرى ، كأن يتخذ وزير التربية والتعليم قراراً إدارياً يتعلق بأحد الأمور الخاصة بوزارة الداخلية.
ومن الأمثلة أيضاً: أن يرتكب أحد السائقين التابعين لجهة إدارية معينة حادثة ما نتيجة عدم اتباع الأصول الفنية للقيادة..
2ـ وإما أن تصدر هذه الأعمال من الإدارة عن (قصد) تنفيذاً لقاعدة تشريعية ، ومثال ذلك: أن يصدر قرار من إحدى السلطات المختصة قانوناً بالاستيلاء مؤقتاً على عقار مملوك لأحد الأفراد..
*ويمكن توضيح الأعمال المادية للإدارة بذكر أهم هذه الأعمال وهي:
1ـ الأعمال الفنية: التي يقوم بها رجال الإدارة المختصون بحكم وظائفهم كالمهندسين (إعداد التصميمات والرسومات الفنية لمشروعات الأشغال العامة)..
2ـ الأعمال التي تقوم بها الإدارة تنفيذاً للقرارات والأوامر الإدارية (القبض على الأفراد – الاستيلاء على ملك الأفراد – هدم منزل آيل للسقوط .. الخ)..
3ـ الأعمال الإدارية المشروعة التي يقوم بها رجال الإدارة وتحدث أثراً قانونياً (ولكنها لا تعتبر أعمالاً قانونية) كالوفاء بالدين..
4ـ المنشورات والتعليمات والقرارات التي تصدر من جانب الإدارة وحدها ، (ولا تعتبر) مع ذلك قرارات إدارية ، لأنها لا تحدث أثراً قبل الأفراد ولا تمس مصالحهم ، أو بمعنى أدق لا يحتج بها عليهم ، ومن أمثلة ذلك: المنشورات والتعليمات التي تتعلق بالتنظيم الداخلي للمرافق العامة..
5ـ الأعمال القانونية غير المشروعة التي تبلغ درجة عدم مشروعيتها حداً يفقدها طبيعتها القانونية فتصبح أعمالاً مادية..
6ـ الأعمال غير القانونية التي تقع خطأ من جانب عمال الإدارة ومن أمثلتها: حوادث السيارات..
ثانياً: يصدر القرار من جانب واحد متمثلاً في الجهة الإدارية مصدرة القرار:
وبالتالي فإن الأعمال القانونية من جانبين والتي تستلزم توافق إرادتين (كالعقود الإدارية) لا تدخل في عداد القرارات الإدارية . كما يجب أن يصدر القرار من جهة الإدارة..
وبالتالي يعتبر القرار إداريا إذا كان صادراً من إحدى الجهات الإدارية دون النظر إلى موضوعه ومحتواه..
*وبناء على ذلك أود أن أوضح فيما يلي بعض الميادئ التي تتعلق بالقرار الإداري:
1ـ لا يعد قراراً إداريا ما يصدر من أعمال للسلطة التشريعية:
ويندرج تحت هذا المعنى أيضاً ما يصدر من السلطة التنفيذية من أعمال تأخذ الصفة التشريعية ومثال ذلك: (القرارات بقوانين) التي تصدر خلال فترة عدم انعقاد المجلس التشريعي ، أو ما تسمى في القانون (لوائح الضرورة) إذا ما تمت الموافقة عليها وفقاً لما ينص عليه الدستور فإنها تصبح قانوناً (ولا تقبل دعوى الإلغاء بالنسبة لها)..
2ـ لا تعد أعمال السلطة القضائية قراراً إدارياً:
ومثال ذلك الأحكام القضائية الصادرة من إحدى المحاكم القضائية بمقتضى وظيفتها القضائية ، ويحسم على أساس نص قانوني خصومة قضائية تقوم بين خصمين وتتعلق بمركز قانوني عام أو خاص..
أما ما يصدر من هيئات إدارية أناط بها المشرع اختصاص قضائي فإن ما يصدر منها يعتبر في حكم القرار الإداري ويعامل معاملته..
لذلك لا يعد قراراً إدارياً:
ـ الأحكام الصادرة من المحاكم القضائية:
ـ أعمال النيابة العامة المتعلقة بالقضاء كالقرار الصادر من النيابة العامة في شأن مباشرة الدعوى أمام إحدى المحاكم أو القرار بمصادرة المضبوطات التي تم ضبطها بالمخالفة للقوانين ، أو القرار الصادر بوضع الأختام وتشميع مكان معين..
ـ الأعمال التي تندرج تحت اصطلاح (الضبط القضائي) وهي الأعمال التي يؤديها رجال الضبط القضائي (ضباط الشرطة) وتتصل بالكشف عن الجرائم وجمع الاستدلالات التي توصل للتحقيق في الدعوى..
3ـ لا يعد قراراً إدارياً الأعمال المادية الصادرة من الإدارة:
ذلك ان أعمال الإدارة المادية لا يترتب عليها تحقيق آثار قانونية . فمحل العمل المادي نتيجة مادية واقية ، أما القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء فيصدر من الإدارة بقصد إحداث أثر قانوني معين جائز وممكن قانوناً..
4ـ العقود الإدارية لها نظامها الخاص ولا تعد قرارات إدارية:
لأن العقود الإدارية على الرغم من أن الإدارة طرفاً فيها ، إلا انها تنشأ نتيجة توافق إرادتين فهي لا تصدر عن إرادة الإدارة المنفردة..