'الاكتئاب' كلمة أصبحت على شفتي كل منا، كأنها باتت حالة رائجة شبه طبيعية أو مبررة،
نظرا إلى هموم ومشاكل العصر التي تثقل كاهل ودماغ الجميع،
ولكن حذار من استعمال هذا التعبير عشوائيا أو باستخفاف..
فيجب أن ندرك بداية معنى الكلمة وكيف تؤثر في حياتنا
وما الذي يحدث في أجسامنا من تغيرات اذا اصابنا الاكتئاب.
للاكتئاب درجات، وهو عرض قد تكون مسبباته بيولوجية قبل أن تكون نفسية..
ولا عجب فهذا رأي معظم خبراء اليوم.
ماذا يحدث في الدماغ
لقد حقق الطب وثبة عملاقة الى الأمام مع اكتشافه خصائص وميزات جديدة
للجهاز العصبي المركزي، منها مثلا اللدونة العصبية Neurophsticitg، وحسب الخبراء
فإن هذه الخاصية تساهم في فهم وايضاح آليات حالة الاكتئاب،
وعليه فهي تفتح المجال أمام عوامل علاجية جديدة وبغاية الفعالية.
ويأتي الاكتئاب احيانا اثر حوادث حياتية تبث التوتر والقلق، أو ربما اثر توتر مستمر أو مزمن..
وعندها ماذا يحدث لدى المكتئب؟
تشل قدراته التكيفية بكل بساطة،
أما اليوم وبفضل الأبحاث المتقدمة بتنا نعرف السبب،
والشخص الأكثر عرضة للاكتئاب هو في الواقع يعاني حساسية
او ضعفا بيولوجيا يطابق الظواهر التي تفسرها خاصية 'العصبية' من الدماغ.
ويتضمن الدماغ حوالي 100 مليارمن الخلايا و10 آلاف من الوصلات العصبية،
وهو يتعرض لعشرات الشحنات الكهربائية المنبهة في الثانية الواحدة.
وكل هذا يجعله جهازا مزودا بلدونة استثنائية.
أي في تبدل وتعديل مستمرين.
ويعود الفضل في فهم ظواهر الاكتئاب من هذه الزاوية الجديدة الى تطور تقنيات التصوير العصبي الدماغي
وطب الاعصاب من جهة، ومن جهة أخرى الى علم البيولوجيا الخلوية والجزيئية.
وقد اثبتت الابحاث ان الدماغ يتكيف ويتعدل بحسب الاختبارات العاطفية النفسية والادراكية
التي يمر بها المرء، وتتكون محاور الاعصاب وتشعبات عصبية كل ثانية.
ولكن ماذا يحدث في الحالات الاكتئابية؟
في الواقع تتراجع قدرة التبدل والتعديل بسبب خلل في التسلسلات الغذائية
ما يؤدي الى تشوهات شكلية وتراجع نمو النسيج العصبي في قرن أمون الموجود في الدماغ.
وقد يقود ضمور التشعبات العصبية الى تقليص احجام بعض مواقع الدماغ
وصولا الى 32% من قشرة المخ cerebral cortex و19% من قرن آمون Hippo Campus.
وتفسر الاضطرابات المذكورة المربوطة بمدة الاكتئاب أعراض المرض وقابلية المريض للاصابة بها.
وخلال اصابة الجهاز الطرفي Limbic system تتراجع القدرة على ضبط المزاج
وتضطرب الوظائف الادراكية (الحفظ واكتساب المعرفة)،
في حين يؤدي ضمور قرن آمون الى زيادة احتمال معاودة الاكتئاب أو الظواهر الاكتئابية مرة أخرى.
جزئية علاجية جديدة
من هنا.. فإن على الخبراء إعادة إصلاح آليات اللدونة العصبية
تحديدا في موقع قرن آمون إذ أثبتت الاختبارات أن توالي الازمات الاكتئابية لدى المريض
عينه مربوط بحوادث حياتية أقل فأقل أهمية، بل تعتبر ثانوية.
وبعد إجراء عدة تحاليل على عينات من الحيوان
ودراسات على الانسان ابتكر الخبراء جزيئة جديدة 'التيانبتين' Tianeptine
وهذه الجزيئة قادرة على إعادة تنشيط عملية تكوين الانسجة العصبية
في قرن آمون في الدماغ، وذلك عند موقع التليف Dentategyrus
كذلك تعمل على إعادة تسوية تعديلات الأيض الدماغي وإعادة إصلاح حجم قرن آمون
لدى الاشخاص المكتئبين.
فقد اثبتت الابحاث السريرية أن قدرات التيانبتين في إصلاح اللدونة العصبية في غاية الفعالية،
وهذه الجزيئة المذكورة مناسبة جدا لمعالجة الاكتئاب على الأمد القصير
مقارنة بالعديد من مضادات الاكتئاب الأخرى المعروفة.
وسرعان ما يستعيد المريض قدرته على التركيز ويصبح اقل توترا وقلقا.
أما على الامد البعيد، فيكتسب المريض مناعة ازاء الحالات الانتكاسية أو احتمال معاودة الاكتئاب.