الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
أوصت اللجنة التحضيرية للأمم المتحدة في الجلسة الختامية للمؤتمر بأن ينشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورته الأولي لجنة لتعزيز حقوق الإنسان علي النحو المتوخي في المادة 68 من الميثاق وعهد بهذه التوصية إنشاء المجلس للجنة حقوق الإنسان في 16 فبراير 1946، ونظرت الجمعية العامة في الجزء الأول من دورتها الأولي المنعقدة في لندن يناير 1946 في مشروع إعلان لحقوق وحريات الإنسان الأساسية أحالته إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي لأحالته إلي لجنة حقوق الإنسان لتعد لشرعة دولية لحقوق الإنسان وأذنت للجنة في دورتها الأولي المنعقدة في أوائل عام 47 بصياغة ما أسمته مشروع أولي لشرعة دولية لحقوق الإنسان وبعد ذلك تشكلت لجنة لصياغة الإعلان وتألفت من ممثلي دول روعي في اختيارهم التوزيع الجغرافي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتشكلت اللجنة من:
1 – إليانور روزفلت "رئيس اللجنة" مندوب الولايات المتحدة الأمريكية .
2 – شارل مالك "مقرر اللجنة" مندوب لبنان .
3 – رينيه كاسان "نائب الرئيس" مندوب فرنسا .
4 – بنج شونج تشانج "نائب الرئيس" مندوب الصين .
5 – جون ب . هنفري "عضو" مندوب كندا .
6 – هيرنان سانتا كروز "عضو" مندوب تشيلي.
7 – إلكس بافلون "عضو" مندوب الاتحاد السوفيتي.
8 – جوفري ويلسون "عضو" مندوب بريطانيا .
9 – ويليم هود جيسون "عضو" مندوب إستراليا .
وعقدت اللجنة خلال فترة وجيزة 85 اجتماعا صاخباً تميزت بالضبابية والمزايدات السياسية حول قضية وجب أن تكون منزهة عن السياسة إلا أن المناقشات حول المسودة الأولي للشرعة بلغت درجة عالية من تضارب الآراء والمواقف وقد تميزت الخلافات العقائدية بين الماركسيين والليبراليين بدرجة أعلي من العنف والتحدي وكانت بمثابة المؤشر الواضح علي قرب اندلاع الحرب الباردة.
وفي 10 ديسمبر 1948 أذيع في قصر شايو بباريس موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي خضع لـ (1233)إجراء تصويت وذلك بموافقة 48 دولة وبدون أي معارضة وتغيب دولتين وامتناع 8 دول عن التصويت وهم:
- المملكة العربية السعودية " رفضاً للمادة 18".
- وجنوب أفريقيا "بررت رفضها لافتقاد الإعلان للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الضرورية الحقيقية هذا السبب لإخفاء السبب الحقيقي للرفض وهو تضمن الإعلان حظر التمييز.
- وست دول هم: "الإتحاد السوفيتي – روسيا البيضاء – أوكرانيا – تشيكوسلوفاكيا – بولندا – يوغسلافيا" مبررين امتناعهم عن التصويت بأن الإعلان يساهم في تدخل المنظمة في شئون الدول الداخلية ، إضافة إلي أن الحريات الواردة في الإعلان شكلية ولا تؤمن الوسائل العملية لممارستها.
القيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثالاً مشتركاً ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم قد أصبح معياراً تقاس به درجة احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتقييد بأحكامها. والإعلان العالمي يعد قاعدة عرفية دولية تحترمها الدول وتعمل بموجبها ومن ثم فهو لا يتمتع بقوة قانونية وهو يمثل مركزاً أخلاقيا وأدبياً مرموقاً في تاريخ تطور الحريات العامة عبر الأجيال وهو أول وثيقة تتضافر فيها إرادة دول العالم بغية تحقيق كرامة الإنسان أينما كان.
وللإعلان قوة معنوية اعتبارية فبالرغم من الاختلافات الحضارية والأيدلوجية والدينية واللغوية الموجودة في العالم استطاع الإعلان أن يشكل مرجعاً يستطيع الرأي العام أن يحكم انطلاقا منه علي تصرف ما بمدي احترامه لحقوق الإنسان الأساسية. وللإعلان سلطة أدبية لتنديد بالدول التي لا تحترم حقوق الإنسان.
وقد قصد في الإعلان في بداية الأمر أن يكون بياناً بالأهداف التي ينبغي للحكومات أن تحققها ومن ثم فلم يكن الإعلان جزءاً من القانون الدولي الملزم بيد أن قبول هذا الإعلان من جانب عدد ضخم من الدول قد أضفي عليه وزناً معنوياً فأصبحت أحكامه يستشهد بها بوصفها المبرر للعديد من إجراءات الأمم المتحدة كما أن هذه لأحكام كانت بمثابة مصدر للإلهام لدي وضع الاتفاقيات الدولية وأصبح مثالاً يحتذي عند وضع الدساتير الوطنية قد تضمنت ديباجة العديد من الدساتير الوطنية الإشارة إلي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنها مثلا ( فرنسا – الجابون – ساحل العاج – الجزائر ... الخ).
وتزداد مساندة مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قوة في الدساتير التي اشتركت في أعدادها منظمة الأمم المتحدة مثل دستور إريتريا.
والقيمة الأهم للإعلان إنه صيغ بحيث يصبح أسرع السبل لإمداد أعضاء منظمة الأمم المتحدة بالأسس الصالحة لعمل فردي أو مشترك من أجل تعزيز احترام العالم كله لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والالتزام بها.
ومما يؤكد أهمية وقيمة الإعلان باعتباره هادياً ومرشداً في صياغة علاقتها الدولية، ففي الاتفاق بين إيطاليا ويوغسلافيا عام (ستعمل السلطات الايطالية واليوغسلافية كل في المنظمة التابعة لها وفقاً لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث يتمتع سكان المنطقتين كاملا وبدون أدني تمييز بالحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان. وفي الاتفاقية المبرمة بين تونس وفرنسا 1955 تعهدت تونس باحترام حقوق الإنسان. وفي ديباجة معاهدة السلام مع اليابان 1951 أعلنت اليابان أنها قد "عقدت النية علي أن تعمل علي تحقيق أهداف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" . كما أشير إلي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في بيان المؤتمر الختامي للأمن والتعاون في أوروبا "هلسنكي 1975" حيث تم الاتفاق على أنه في مجال الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية ستعمل الدول المشتركة وفقاً لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وهكذا أصبح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان معترفاً به بوصفه وثيقة تاريخية توضح تعريفاً مشتركاً للكرامة والقيمة الإنسانية ومعياراً لقياس درجة احترام حقوق الإنسان وأصبح مرجعية أساسية لكل المؤتمرات التي تعقدها الأمم المتحدة .
و يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو الدليل بل المرشد الذي سار علي هديه المجتمع الدولي في صياغة الاتفاقات الدولية التي صدرت بعد 10 ديسمبر 48 وبعد هذا التاريخ فرغت لجنة حقوق الإنسان من صياغة الاتفاقيتان المكملتان للشرعة الدولية لحقوق الإنسان وهما :
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الصادر بقرار الجمعية العامة رقم 2200ألف "د-21" عام 1966 وبدأ نفاذه في 3 يناير 1976.
- والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر بقرار الجمعية العامة 2200 ألف في 16 ديسمبر 1966 وبدأ نفاذه في 23 مارس 1976.
والعهدان الدوليان يعتبرا تفصيلا للمبادئ الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبإصدارهما اكتملت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ويمكن النظر للإعلان العالمي لحقوق الإنسان علي أنه جذع شجرة حقوق الإنسان ومنه ينبثق الفرعان الأساسيان وهما العهدان سالفا الذكر. ولكون العهدان صدرا في صورة معاهدة دولية ومن ثم فهما ملزمان للدول الأطراف فيهما . ويعدان نقلة نوعية رفعت مكانة حقوق الإنسان علي الصعيد الدولي من مجرد قرار دولي في صورة إعلان دولي غير ملزم إلي معاهدات دولية توافرت لها مقومات الالتزام القانوني.
وقد أثرت الشرعة الدولية الإعلان لحقوق الإنسان في تطوير نظم الحماية الإقليمية لحقوق الإنسان، حيث كانت هي المرجعية الأساسية في صياغة نصوص مواد المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان وهى:-
اتفاقية حماية الإنسان والحريات الصادرة في روما 1950
الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ، الصادرة في سان خوسيه 1969
الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ، الصادر في نيروبي 1981
الميثاق العربي لحقوق الإنسان ،الصادر في القاهرة 2004