إن الإسلام يسمو بالأمة إلى أرقى مدارج الرقي...
و يحفزها لتدرك هذا الرقي عن طريق الخلق الفاضل بانتهاج سبيل المحبة
و المودة،و حسن السلوك و المعاملة
والكلمة جعل الله لها من رحمته بعباده شأناً عظيماً في الذكر والعبادة فهي من أقل العبادات جهداً ومن أقلها تكلفة ، لا يكاد يعجز عنه مسلم غني
أو فقير رجل أو امرأة..
وكتاب الله تعالى أفضل كلام ينطق به اللسان، هو أعظم الكلام على الإطلاق، فإذا نطقت بالكلمة من كتاب الله كان لك بكل حرف عشر حسنات
ولقد أعلى الله تعالى قيمة الكلمة في تشريعاته وأحكامه وجعلها عمل اللسان..
حيث قال الله تعالى:
" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ "
فما الدعوة إلى الله عز وجل إلا كلمات يقولها الداعية تعريفا ً
ه سبحانه وتعالى وتبيينا ًلأحكامه عز وجل ،وترغيبا ً في طاعته والائتمار بما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وبها يستطيع الداعية أن يحبب غير المسلم إلى الإسلام
فهى عمود الدعوة إلى الله .
وقد امتن الله على رسوله الكريم الداعية الأول لهذا الدين فقال :
" َفبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ
مِنْ حَوْلِكَ " .
وقال رسولنا الكريم :
أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة) رواه البخاري ومسلم
وتأكد أيها المسلم أنك إذا نطقت بالكلمة الطيبة من رضوان الله سبحانه لا تلقي لها بالاً قد تكون سبباً لدخولك الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أن تبلغما بلغت فيكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه ))حسن صحيح
والكلمة الطيبة تبعدك عن النار كما أخبر صلى الله عليه وسلم :
((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة))
وقال الله عز وجل في كتابه :
﴿أَلَمْ تَرَكَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25)﴾
فشبه -سبحانه وتعالى- الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة تثمرالعمل الصالح والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة .
فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت كما قال الله تعالى :
((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِح يَرْفَعُهُ ))
وقد روى الطبري عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى:
{كلمة طيبة}، قال :هذا مثل الإيمان، فالإيمان الشجرة الطيبة، وأصله الثابت الذي لا يزول الإخلاص لله، وفرعه في السماء، فرعه خشية الله .
وهذه الشجرة أيضاً مثلها كالمؤمن، فهو ثابت في إيمانه، سامٍ في تطلعاته وتوجهاته،نافع في كل عمل يقوم به، مقدام مهما اعترضه من صعاب، لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً، معطاء على كل حال، لا يهتدي البخل إلى نفسه طريقاً، فهو خير كله، وبركة كله، ونفع كله .
وعلى هذا يكون المقصود بالمثل تشبيه المؤمن، وقوله الطيب، وعمله الصالح ، بالشجرة المعطاء ، لا يزال يُرفع له عمل صالح في كل حين ووقت، وفي كل صباح ومساء
فبالكلمة الطيبة تستطيع أن تُرضى والديكِ وتُرضى زوجتك وأولادك ..وإن تهدي ضالاً،
وتعلم جاهلاً، وترشد تائهاً،وتذكر غافلاً....تدعو كافراً إلى الإسلام....تبذل شفاعة حسنة....
تقدم رأياً وتقترح فكرة ....تروح قلباً وتنفس كربةً....تبلغ آية وتروي حديثاً وتنقل فتوى....
تحيي سنة وتميت بدعة.. ..تنشر دعوة، تنشط خاملاً، وتنمي موهبة وتخطط مشروعاً....
تشغل الناس بالله تعالى وأمره ونهيه وجنته وناره....تعلن عن محاضرة أو كتاب أو شريط مفيد..
فقد حث ربنا سبحانه وتعالى عن قول الكلمة الطيبة بأنواعها
في آيات كثيرة
( وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِوَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ)
[آل عمران: 104].
والدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من الكلام الطيب وقال سبحانه أيضاً مؤكداً على ذلك :
(ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم
بِٱلَّتِى هي أَحْسَنُ)[النحل: 125].
وقال أيضاً
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً
وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ)[فصلت: 33].
بل إن الله دعا إلى الكلام الطيب حتى مع المخالفين
في الدين والاعتقاد
(وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ
إِلاَّٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ )
[العنكبوت: 46].
وبيَّن سبحانه أن الشيطان يحرص على التحريض بين الناس.
وأن الكلام الطيب هو الذي يفسد مخططات هذا الشيطان فقال:
( وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنْزَع بَيْنَهُمْ
إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوّا مُّبِينًا) [الإسراء: 53].
وبيَّن سبحانه وجوب الكلام الطيب مع الناس عامة فقال:
(وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83].
وقال: (وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً )[النساء: 5].
وقال(فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ) [الإسراء: 28].
بين سبحانه أن للوالدين الحق الأول على الإنسان في
مخاطبتهما بالكلام اللين والطيب فقال:
(فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاًكَرِيمًا وَٱخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا )
[الإسراء: 22، 23].
وقد لا تستطيع أن تقدم المال للناس وللفقراء منهم والمساكين لكنك
تستطيع أن تقدم لهم الكلام الطيب قال تعالى:
( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة: 263].
وقال ( وَأَمَّا ٱلسَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ )[الضحى: 10]
. كما بين سبحانه الثواب العظيم الذي يترتب على قول الطيب فقال
( يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُوا ْٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَاز َفَوْزاً عَظِيماً )
[الأحزاب: 70، 71].
وأيضًا من ثمار الكلمة الطيبة
*الكلمة الطيبة شعار لقائلها ودليل على طيب معدنه وحسن أدبه وسمو أخلاقه
*الكلمة الطيبة تحول العدو إلى صديق بإذن الله،وتحول ضغائن القلوب إلى محبة ومودة
* الكلمة الطيبة تثمر عملاً صالحاً في كل وقت بإذن الله
*تصعد إلى السماء فتفتح لها أبواب السماء، وتقبل بإذن الله:
((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ))
*من هداية الله وفضله للعبد، قال تعالى :
((وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ))
*الكلمة الطيبة ثوابها ثواب الصدقة
((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة))
*تطيب قلوب الآخرين، وتمسح دموع المحزونين، وتصلح بين المتباعدين
هذه بعض ثمار الكلمة الطيبة قد عرفتها ونلت فضل قراءتها فاجعل دائماً لسانك
رطباً لا يتفوه الا بخير الكلام .
﴿وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنفَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار﴾
والكلمة الخبيثة، وهي كلمة الشرك - وما يتبعها من كلام خبيث - فهي على النقيض من ذلك.
كلمة ضارة غير نافعة، فهي تضر صاحبها، وتضر ناقلها، وتضر متلقيها،وتضر كلمن نطق بها، وتسيء لكل سامع لها، إنها كلمة سوء لا خير فيها،وكلمة خُبْثٍ لا طيب فيها،
وكلمة مسمومة لا نفع فيها؛ فهي كالشجرة الخبيثة، أصلها غير ثابت، ومذاقها مر، وشكلها لا يسر الناظرين،
تتشابك فروعها وأغصانها، حتى ليُخيَّل للناظر إليها أنها تطغى على ما حولها
من الشجر والنبات، إلا أنها في حقيقة أمرها هزيلة،
لا قدرة لها على الوقوف في وجه
العواصف والأعاصير، بل تنهار لأدنى ريح، وتتهاوى لأقل خطر يهددها؛
إذ ليس من طبعها الصمود والمقاومة، وليس من صفاتها الثبات والاستقرار،
إنها شجرة لا خير يرتجى منها،
فطعمها مر، وريحها غير زاكية، فهي شر كلها، وخبث كلها، وسوء كلها .
عن أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((.....وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي
لها بالا ً يهوي بها في جهنم ))
يالله بكلمة واحدة فقط ربما تكون سباً أو لعناً أو غيبة أو نميمة أو غير ذلك ولاتلقي
لها بالاً تنال بها سخط الله وغضبه، روي عن قتادة:
( أن رجلاً لقي رجلاً من أهل العلم فقال له: ما تقول في الكلمة الخبيثة ؟
قال: لا أعلم لها في الأرض مستقراً، ولا في السماء مصعداً، إلا أن تلزم عنق صاحبها
حتى يوافي بها يوم القيامة )
فيجب على المسلم أن يضبط لسانه، وأن لا يتكلم بالكلمة حتى يسأل نفسه قبل أن ينطق ما جدوى حديثي وفائدته؟
فإن كان في الكلام خيراً تكلم وإلا سكت والسكوت
في هذه الحالة عبادة يؤجر عليها، وصدق رسول الله إذ يقول:
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت))
رواه البخاري ومسلم .