قال الله ـ تبارك وتعالى ـ حكاية عن فرعون وقومه
: (
فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) الدخان ( 29 ) .
ولو تأملنا هذه الآية نجد أنها توحي بأن السماء والأرض قد تبكي على أحد، ومن هذا الذي يستحق أن
تبكي عليه السماء والأرض ؟
وبم نال هذه الكرامة والمنزلة ؟
نعرف ذلك من خلال ما أجاب به الصحابي الجليل عبدالله بن عباس مما تعلمه من علم النبوة حين سأله رجل عن ذلك، فقد روى البيهقي في شعب الإيمان 3288 بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال : ( جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أرأيت قول الله ـ عز وجل ـ ( فما بكت عليهم السماء والأرض )، هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟
قال : نعم، إنه ليس من الخلائق أحد إلا له باب من السماء ينزل منه رزقه ويصعد منه عمله، فإذا مات المؤمن بكى عليه بابه من السماء الذي كان يصعد منه عمله وينزل منه رزقه، وإذا فقده مقعده من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم تكن لهم في آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير فلم تبك عليهم ) .
وروى ا! لبيهقي أيضا 3290 عن ابن عباس قال : ( إذا مات الميت بكت عليه الأرض أربعون صباحا ) وفي رواية للحاكم 3679 قال ( بفقد المؤمن أربعين صباحا ) .
إنها والله كرامة عظيمة ومنزلة رفيعة أن يحظى بها الإنسان ولكنها ليست لكل إنسان، إنما هي للمؤمن الصالح الذي يؤدي حق ربه عليه ويسعى في عمارة الأرض، لا أقول عمارتها بالمباني المشيدة والعرض الفاني ولكن عمارتها بالباقيات الصالحات، بطاعة الله وذكره، حيث وجد على الأرض فهو يذكر ربه، هنا يمشي إلى المسجد وهناك يصلي وهنا يسبح وهناك يستغفر وهنا يعين محتاجا وهناك يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وكل ذلك يرفع إلى السماء فتحبه السماء والأرض وتسعد به وتكون الأرض يوم القيامة شاهدة له على حسن عمله ( يومئذ تحدث أخبارها )، فإذا قضى المؤمن أجله ومات حق للسماء والأرض أن تبكيا عليه لأنهما فقدتا عزيزا محبوبا يحبه ربه ويحبه أهل السماوات والأرض، فتبكي عليه أربعين يوما، قال مجاهد : ( وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود ؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي ! كدوي النحل ؟ )،
وأما من كان على نهج آل فرعون قد نسي ربه واتبع هواه وسعى في الأرض مفسدا حيث حل منها فلا كرامة له ولا مكانة ولا يستحق أن تبكي عليه السماء والأرض، كيف تبكي على إنسان يبغضه ربه وتبغضه السماوات والأرض ومن فيهن ؟ بل حق لهم أن يسعد بموته لأن الفاجر إذا مات ارتاح منه العباد والبلاد والشجر والدواب فأنى لأحد أو لشيء أن يبكي عليه .