إنه إمامُ الأعزّة ، وسيِّد الشامخين ، ومعلِّم الدنيا كيف يكون ميراث العِزة ساميا شامخا حدَّ الدهشة !
إنه الحبيب القريب . سيد المرسلين ، ونبيُّ الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ..
تـُعرض عليه المغريات كلها .. تلك التي تغري كلَّ الناس في الحياة الدنيا فيسيلُ لها لعابهم :
الملك والسلطان والمال والجاه والمتاع والنساء ..
فيركلُها كلها وقد أناخت عند قدميه ..
يأتيه عمه أبو طالب ذات يوم – وهو من بذل ماله ونفسه وجاهه في سبيل الدفاع عن ابن أخيه وحمايته من أذى قريش - .. يأتيه يوما بعدما أتت إليه قريشٌ تشكو إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول له :
( يا ابن أخي ..
إنَّ قومكَ قد جاءوني ، وكلَّموني في أمرك ، فأبقِ عليَّ وعلى نفسِك ، ولا تـُحمِّلني من الأمر ما لا أطيق ) !!
فلما انتهى .. ظنُّ النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل الوحيد الذي كان يقف إلى جانبه سيترُكه ، وأنه سيُسْلمُه إلى قريش !!
حينها ...
لم يترَدَّدِ الرسول صلى الله عليه وسلم في الجواب ، ولم يتلعثم عزمُه ..
لا .. ولم يبحَث حتى عن الكلمات التي يُثبِّتُ بها يقينه ..
لقد كان يقينه هناك ناهِضا فوق منصَّة الأستاذيَّة ، يُلقي على البشريَّة كلها أبلغ الدروس ، و يُلقنها أمضى مبادئها .. التفتَ إلى عمِّه وقال في حَزم وعَزم ، وعِزة تفوق الوصْف :
(( يا عمّ .. والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أتركَ هذا الدين ما تركته لشيء حتى يُظهره الله أو أهلِك دونه )) !!
ثمَّ مضى عليه السلام مُستعْبِرًا ..
السلام عليكَ أيها النبيُّ ورحمة الله وبركاته ..
ويا سيِّد الرِّجال .. لقد كانت كلماتكَ رِجالا !!
هنا .. يُناديه عمُّه أبو طالب وهو يقول له :
( ارجع يا ابن أخي ، و افعل بدينك ما بدا لك
فو الله لا أسلِّمك إلى شيء تكرهُه أبدا ) ..
–انتهى -
الله أكبر ..
أيُّ معلِّم كان وأيُّ إنسان ؟! هذا المُترع عظمة وأمانة وسموًّا ..
ابنُ عبد الله .. محمَّد .. رسول الله إلى الناس في قيظ الحياة ..
أيُّ إيمان وأيُّ عزم وأيُّ مضاء ؟!
أيُّ صدق وأيُّ طُهر وأيُّ نقاء ؟!
أيُّ تقديس للحق ..
أيُّ احترامٍ للحياة وللأحياء ؟!
ألا إنَّ الذين بهَرتهم عظمته لمعذورون .. وإنَّ الذين افتدَوْه بأرواحهم لهمُ الرَّابحون ..
· ما الذي جعل سَادَة قومه يُسارعون إلى كلماته ودينه ..؟
أبو بكر .. وطلحة .. والزبير .. وعبد الرحمن بن عوف .. وسعد بن أبي وقاص .. وغيرهم .. مُتخلِّين بهذه المُسارعة المؤمنة عن كلِّ ما كان يُحيطهم به قومهم من مجد وجاه ، مُستقبلين – في نفس الوقت – حياة تمور موْرا شديدا بالأعباء وبالصِّعاب وبالصِّراع ؟!
· ما الذي جعل ضُعفاء قومه يلوذون بحِمَى مولاه ، ويُهرعون إلى رايته ودعوته ، وهم يُبصرونه أعزل من المال ومن السلاح ، ينزِلُ به الأذى ويُطارده الشرُّ في تحدٍّ رهيب .. ؟!
· ما الذي جعل المؤمنين بما جاء به يزيدون ولا ينقصون ، وهو الذي يهتف فيهم صباح مساء : ( لا أملك لكم نفعا ولا ضرًّا ، ولا أدري ما يُفعل بي و لا بكم ) ؟!
إنها دروس العِزة والرِّفعة يُلقـِّنها معلِّمُ الدنيا عليه السلام – بأبي هو وأمي ونفسي - لأصحابه بل لكلِّ العالمين من بعده ، لا مجرد كلمات ، ولكن سلوكا عمليا يشرح الكلمات ، ويحولها إلى حقائق مشهودة في عالم العيان.
هاهي ذي بصمتنا تصافحُ هممكم ..