[
إن أقرب ما يمكن تشبيه قلوب البشر به هو قوارير العطر ..
فإن أردت شمها وبث أريجها في المكان .. فعليك أولا ً فتحها ..
هناك قلوب أصحابها يفتحونها بأنفسهم لكل من يعرفونه
وحتى لمن لا يعرفونه ..
فهم بطبعهم يحبون بث الشذى والمحبة والسلام أينما حلوا ..
وهناك قلوب تحتاج لمن يعين أصحابها على فتحها لنشر ما بداخلها من شذى ..
ربما لأن أصحابها يخجلون المبادرة ..
أو يتخوفون من الصدود وردود الفعل العكسية ..
وهناك قلوب قفلها محكم ..
لذا كثيرا ً ما يظن من يخالط أصحابها ..
أن هذا الشخص جامد ٌ قاس ٍ لا قلب له ..
على أنه قد يحمل قلبا ً مترعا ً بالحب والحنان والعواطف الجياشة ..
قد تفوق تلك التي يحملها من ظن به ذلك الظن ..
بيد أن هناك ما يمنعه ويحول دون إظهار تلك الكنوز الخفية بداخله..
قد يكون لنمط معين تربى عليه ..
وقد يكون لظروف قاسية ومحن متوالية رسمت التقطيب في جبينه
وجمدت لشدة قساوتها مشاعره ..
لذا فهو بحاجة ماسة لمن يحيي تلك المشاعر ويشعل جذوتها من جديد ..
أسباب كثيرة متعددة ..
تكسي المترع بالحب والحنان والعطف ثوبَ الصرامة والقسوة ..
لكنها رغم شدتها وتمحيصها له لا تستطيع أن تصل لقلبه أو تبدل معدنه
إنما تضع فوقه حواجزا ً وحواجز ..
يظل صاحبه يحاول تجاوزها وعندما يفشل في ذلك
قد يقبل بالدور الذي جـُبر عليه ..
فتراه مقطبا ً .. عنيفا ً .. متذمرا ً من كل ما حوله ..
إن كل تلك العلامات تشير إلى أنه يعيش صراعا ً داخليا ً
بين شخصيته الأصلية وشخصية فرضت عليه ..
ويبقى دوما ً متذمرا ً غير راض ٍ مهما حصل له ما يريد
ومهما لبى من حوله طلباته خوفا ً منه ..
فهو يريد حبا ً لا طاعة ..
مبادرة لا صدود ..
عطفا ً وحنانا ً دون طلب وانتظار المقابل والجائزة ..
ليستطيع بعد ذلك تفجير الينابيع المخزونة بداخله ..
وبعدها يفوح عطر ٌ
قد يفوق شذاه أي عطر ٍ شممناه من قبل ..
لذا ..
لا تحكم أبدا ً على شخص بالقسوة أو الطيبة
إلا بعد أن تعاشره معاشرة طويلة حسنة ..
وتذكر أن الزهرة الجميلة الفواحة بألوان العبير
لم تكن لولا من يرعاها ويفيض عليها بكل ما تحتاجه
سوى بذرة ..