تشهد إيطاليا حاليا جدلا واسعا في أعقاب إسناد مهمة تصميم راية سباق "باليو" التاريخي للخيول إلى فنان مسلم، لأول مرة منذ انطلاق السباق قبل أربعة قرون.
وفي الوقت الذي رحب به البعض بقرار عمدة "سيينا" بإسناد المهمة للفنان علي حسون باعتباره يحمل الجنسية الإيطالية، أعرب آخرون عن رفضهم لتلك النتيجة، لا سيما أن السباق يحمل طابعا تاريخيا، وكان من الأولى أن يظفر بالفوز شخص آخر، على حد رأيهم.
وقال حسون -في تصريح لـmbc.net- "تم ترشيحي لتصميم راية سباق الخيل في باليو، الذي يقام مرتان كل عام في الثاني من يوليو/تموز و16 أغسطس/آب"، مشيرا إلى أنه شعر بالفخر عندما اعتبره الإيطاليون واحدا منهم بمنحه هذا الشرف.
وأوضح حسون "عقب تكليفي بتلك المهمة ظهر على السطح عدد من الأسئلة تمحورت أنه لأول مرة يقوم أحد الفنانين -من غير المسيحيين- برسم وجه السيدة مريم العذراء، مضيفا أن "البعض ظن أنه سيرسم وجه امرأة محجبة".
وأشار إلى أنه قدم وجه أم عادية في محاولة منه لفعل شيء للمساعدة في التقريب بين الأديان، وقال"كتبت على الراية بالخط العربي الكوفي جملة سورة مريم للتأكيد على أهمية السيدة العذراء، ومكانتها العظيمة ليس فقط لدى المسيحيين وإنما عند المسلمين أيضا".
ذكرى الانتصار
ولفت إلى أن سباق "باليو" يحتفل هذا العام بذكرى معركة انتصار "سيينا" عام 750 م في حربها ضد فلورنسا، وفي هذه المناسبة أرسل الإمبراطور "مانفريدي" مجموعة من المسلمين العرب لمساعدة "سيينا".
وأشار إلى أن الراية استوحت أيضا تلك الواقعة من خلال رسم أحد الجنود العرب المحاربين وتلوين وجهه بنفس ألوان راية "سيينا" المميزة لها.
وفي هذا السياق لم يلقَ اختيار الفنان المسلم لتلك المهمة ترحيبا في بعض الأوساط الإيطالية، وكتبت صحيفة "لا بادانيا"، وهي الجريدة الرسمية اليومية للرابطة الشمالية المعارضة للهجرة، "اليد المسلمة تتجلى على باليو سيينا".
وفي نفس الوقت قامت مجموعة صغيرة من مؤيدي رابطة الشمال بادعاء أن أسقف "سيينا" لا يمكن أن يبارك الراية لأنها مصنوعة بواسطة مسلم، (والبابا يبارك فقط سباق أغسطس/آب".
وفي المقابل، رفضت أوساط أخرى هذا التوجه معربة عن ترحيبها بتكليف حسون بتلك المهمة، وقال عمدة "سيينا" لـmbc.net، إن علي حسون قضى معظم سنوات شبابه هنا بيننا، ويعرف تماما تاريخ "باليو"، وكطالب فقد حضر السباق مرات عديدة.
وأضاف أن "سيينا" تهدف إلى أن تكون العاصمة الثقافية للأوربيين عام 2016، ولا بد أن نعي وندرك كيف نقود الشعب إلى التحديث، وأن ندرك ما يدور حولنا في العالم.
وتابع عمدة "سيينا": إذا لم نستطع استيعاب ما يحدث حولنا من تغيرات وتحديات فلن يكون لنا مستقبل، ونحن رأينا أن حسون هو أفضل الفنانين لتلك المهمة، لمهارته في المدرسة التصويرية للفنون الجميلة الجميلة، لافتا إلى أن التصميمات السابقة وضعها الفنانون أقرب إلى فن الجرافيك.
وأشار إلى أن حسون وضع أكثر من مسودات عن "باليو"، ونحن نحب عمله ونعجب به لأننا واثقون أنه يقوم بالمهمة على أكمل وجه، ونحن في سيينا نفخر بهويتنا القوية، وليس لدينا مشكلة إطلاقا لمقارنة ثقافتنا بالثقافات الأخرى.
رحلة نجاح
يذكر أن علي حسون ولد في قرية "غازية" التي تبعد 8 كيلو من (صيدا)، قبل أن يغادر لبنان أثناء الحرب الأهلية عام 1983 إلى سيينا، وهو في سن الـ19 سنة حيث تعلم اللغة الإيطالية في عامين.
واستطاع علي حسون التكيف مع الثقافة الإيطالية ويصبح واحدا منهم، وعندما دخل مدرسة الفنون الجميلة في فلورنسا ظل في سيينا، وكان يسافر يوميا إلى فلورنسا.
تخرج حسون في قسم العمارة عام 1991، وظل لعدة سنوات يعمل بجد، ثم انتقل بعدها إلى ميلانو، وفي عام 1997 أقام ثلاثة معارض في غضون شهور قليلة في بيروت ودمشق والقاهرة.
وهذه المعارض الثلاثة في العالم العربي كانت تكفلهم الحكومة الإيطالية، ومن هنا ظهرت لديه فكرة صنع رابط بين الغرب والعالم العربي، لذلك تحولت بنشاطه الفني إلى الفنون الإيطالية التراثية في الرسم والتلوين.
ومع حلول الألفية الثالثة ووقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وجد حسون بداخله قوة كبيرة للتحول الداخلي نحو القرآن الكريم، وزاد شغفه للمعرفة به كي يعود إلى جذوره العربية المسلمة وقام بزيارة المغرب وقرأ المزيد عن التاريخ الإسلامي وفلسفته، وبحث عن كل الفنانين الغربيين مثل (ايشر) الذي يبحث في تاريخ العالم العربي وماضيه، وبدأ في دراسة الخط العربي وهندسة العمارة وخاصة في المباني العثمانية بتركيا.
وطوال هذه المدة لم ينقطع حسون عن "سيينا"، فحافظ كثيرا على تقوية العلاقات معها، وبعد المعرض الذي أقامه في روما في غرفة النواب مع بعض الفنانين العرب في يوليو/تموز 2009 نال شهرة غير مسبوقة في وسائل الإعلام المحلية، قبل أن يحصل مؤخرا على شرف تصميم راية سباق "باليو".
[[img]
[/img]