لم تنج الفتاة الفلسطينية من العقاب الجماعي, الذي يطال شعبا بأسره منذ
أكثر من نصف قرن من الزمان ... فتيات الأمس اللاتي فقدن آبائهن,
وتعكرت طفولتهن, وعشن حياة مليئة بالحزن والأسى واليأس,
هن أمهات اليوم اللاتي يعايشن آلامهن وآمالهن, ويكابدنا آلام أبنائهن
وبناتهن وأزواجهن في الوقت ذاته ..
عانت الفتاة الفلسطينية حينما فتحت عينها ووجدت أسرتها بلا وطن ...
ليس ذلك فحسب, بل بعضهن وجدن أنفسهن في كنف أسرة يغيب عنها
الأب, أو الأخ, أو ينقصها الدار ومقومات الحياة ..
كيف تنشأ الفتاة ... وتنمو وتتعلم وتعيش, في مثل هذه الأجواء
التي يحاصرها الموت والإحباط والرعب والتوجس؟
كيف تنام وتصحو وتذاكر وتفكر تحت أصوات الرصاص, ودهم الدبابات
وعنف الجرافات التي تقتلع المساكن, وتقتلع معها السكينة والأمل؟
حقيقة إن الفتاة الفلسطينية قتلت حينما ولدت ووجدت نفسها في هذا الواقع
المؤلم وقتلت حينما حرمت من الأسرة المكتملة الأعضاء المستقرة الهانئة
وقتلت حينما أصبح طريق العودة من المدرسة أو الذهاب إليها محفوفا
بنيران القناصة الإسرائيليين ...
لقد نزعوا منها كل شيء, لكنهم فشلوا في انتزاع ثقتها بنفسها .. فشلوا في
انتزاع سلاحها الأقوى, وهو العزم والإصرار وقبول التحدي, والعمل من
أجل الحياة, رغم أن الحياة أصعب من نبتة في الصحراء بلا ماء !!