*_~ رفيقة السهر رفيقة الأمل *_~
كيف لي أن أبدأ مع حكاية تلك الفتاة وما يعتريها من تلك المعاناة ,,
أهي وحدة تتغلغل في حنايا نفسها لتبدأ في تدميرها رويدا رويدا ,
وذاك الوجه القمري الجميل الذي أخذ في الذبول وتلك العينان الواسعتان قد أحاط بهما السواد , حيث البكاء كان رفيقها في سهرها ,,
فراغ يقتل روحها ,, لمَ لا .. وهي تقبع في دار وحيدة منعزلة فيها ..
لكن يا ترى .. أين هم أهلها ..؟!
ألا يوجد لها أهل يعاونونها على إنتشال هذه الوحدة الشديدة ..!
بلى بلى .. إذن أين هم عنها ..؟ فلديها أمٌ وأخوين أثنين وأخت وهي الرابعة من بينهم ,, ووالد قد توفي في حادث سير منذ عشر سنوات ,, إذن لم هم بعيدون عنها ..؟
لأنها ولدت معاقة .. كسيرة القدمين وكسيرة الخاطر ,, فأصبحت منبوذة من قبل أهلها , يخشون الظهور معها ولا يريدونها بينهم , لا يدعونها حتى لتشاركهم أي وجبة معهم ولا يهتمون بها ولا بصحتها , فهي إن مرضت تداوي نفسها بنفسها وتتصرف في قضاء حوائجها بنفسها ولكن بشدة كبيرة وبإصرار به تحدي لمجابهة أمور الحياة ,, فاعتمدت على أن تخلق من التفكير سبيلا هاديا لها في استمرار حياتها وكرسيها هو مقودها في ذلك .. في حركتها هنا وهناك .. وتنقلاتها في داخل المنزل ..
والليل هو الحزن الذي يخيم على قلبها تفترشه ألما و بكاءا بدلا من أن تجعله وسيلة للراحة ..
فآااااهٍٍ على تلك الروح البريئة المحاطة بهالة من وجع الأيام ,, ومن كان يسندها في السابق ويخفف عن وطأتها قليلا هو والدها الذي يعيش بوسط روحها .. وهي تبلغ من العمر الآن ثمانية عشرة سنة ,,
( لجين ) هو الاسم الذي أختاره لها والدها ..
في غرفتها .. طاولة وكرسي .. ودفتر خاص به مدونات ( اليوم الحزين ) هكذا هو ما أطلقته عليه من عنوان حيث تطل عليه في كل حين .. تسجل براعم الأحزان المنتقاة من هذه الأيام ,,
مع هبوب نسائم ربيع مشرق .. تأملت ( لجين ) من نافذتها المكسورة من كل جانب والتي تناظر فيها من خلال قطع القماش الذي رممت به سور هذه النافذة ,, وإذا بنزلاء جدد يتجهون نحو منزل قريب من دارهم .. معداتهم كثيرة وحقائبهم كبيرة .. يبدوا عليهم ذا نفوس فاخرة ..
بيدها ( لجين) حاولت أن تبتعد مع كرسيها عن النافذة وأثناء ذلك لمحت معهم فتاة بمثل عمرها دخلت المنزل كذلك ..
قالت في نفسها وهي تتنهد آهات الألم : " ليت هذا الربيع يكون مقدمة خيرٍ علي "
تمتمات قالتها عابرة تأمل الخلاص من بؤبؤة الوحدة والفراغ اللذان يلازمانها باستمرار ..
والدة ( لجين ) وابنيها بادروا بزيارة هؤلاء النزلاء الجدد حينما علموا بوضعهم المادي لعلهم يتوسطون في إيجاد عمل لهذين الأخوين اللذان لا نفع منهما ,, وعائلة ( الكامل ) سعدوا بهم ورحبوا بزيارتهم وبادروهم الزيارة أيضا .. ( نور ) تلك الفتاة التي رأتها ( لجين ) من خلف أسوار النافذة .. دخلت منزلها ..
نور : السلام عليكم ..
لجين : أهلا وعليكم السلام , سعداء بحضورك في منزلنا ,, هكذا ردت عليها بكل لطف .
اقتربت ( نور ) من ( لجين ) .. فمدت يدها لتصافحها .. جلست جنبها وبدئتا مشوارا لطيفا في الكلام .. كُلاَ منهما شعرت بالارتياح للأخرى , فطلبت ( نور ) من ( لجين ) أن تحضر لزيارتها في اليوم التالي ..
لجين : أخفضت برأسها للأرض .. همهمت بالرد بحزن قائلة :
المعذرة منك فأنا لا أستطيع الخروج من المنزل ..
سألتها ( نور ) : لكن لماذا ؟
لزمت( لجين ) الصمت ...
نور : ردت عليها مباشرة قائلة .. وهل أستطيع أنا زيارتك ..؟
لجين : نعم نعم .. بكل سرور .. حياك الله .. تشرفني زيارتك ..
ذهبت ( نور ) لوالدة ( لجين ) تقول لها : يا خالة هل تسمحين لي بزيارتكم بين الحين والآخر ؟
أجابتها : لا بأس بذلك .. على الرحب والسعة ,, وبداخل نفسها مبتغى تطمح في الوصول إليه .. وبعد فترة وجيزة ومع مرور الأيام
( نور و لجين ) أصبحتا أكثر قربا من بعضهما البعض ,,
أصبحت ( نور ) تزور ( لجين ) دائما وأصبحت المنفذ الذي تزيح من خلاله عقبات الهم والفراغ والوحدة التي كانت تراها مرسومة على محيا وجه ( لجين ) .
وفي أحد المرات دخلت ( نور ) مع ( لجين ) في غرفتها المظلمة تلك ,, وأخذت تناظر الطاولة التي بها بعضا من دواوين حزنها .. فلفت انتباهها للأوراق المبعثرة على هذه الطاولة وبالصدفة قرأت كتابة من كتاباتها .. خاطرة كتبت بجمال شديد وبذوق فني في التعبير الأدبي , سألت لجين : من الذي كتب هذه الكلمات .؟؟
لجين : أنا ..
نور : أحقا ما تقولين ..؟؟
لجين : نعم .. لكن لم هذا الاستغراب ..؟؟
نور : لديك موهبة جميلة مبهرة جدا .. فلم لا تنمينها ..؟لجين : وكيف لي أن أنميها .؟
نور : هل تسمحين لي بمساعدتك ..؟
لجين : بلى ..
نور : هنالك مجلة تصدر أسبوعيا وتحتاج إلى مثل ما تمتلكين من موهبة كعمل تقومين به يعيلك وعائلتك وأنت حتى بمكانك ..
لجين : هي فكرة رائعة .. لم تكن لتخطر بذهني إطلاقا .. حسنااا .. لنبدأ ذلك ونرى .. قالت ذلك بعدما سمحت لعقلها بأخذ مساحة بسيطة من التفكير في الموضوع .. لتوافق على فكرتها .
قامت ( نور ) بأخذ بعض من كتابات ( لجين ) بعدما إطلعت على أكثر من موضوع لها .. وتوجهت بعدها إلى المجلة وعرضتها على القائمين فيها ووضحت لهم الوضع الذي تكون عليه صديقتها ( لجين ) فرحبوا بها جدا وسعدوا بالمهارة الأدبية التي لديها .. فأصبح هنالك أسبوعيا إصدار من تأليف ( لجين ) وتطورت لتحظى بصفحة تكتب كل ما يجيد بها روعة قلمها .. وطبعا مع كل ذلك كانت صيحات الأمل بقربها دائما منذ لحظات الانكسار التي وجدتها من أهلها إلى هذه اللحظات التي بدلت لها رونقها ..
كانت تحظى من المجلة براتب تسهب به لعائلتها التي خذلتها والتي هي لم تخذلهم لترى في كل مرة علامة الاستغراب تبدوا واضحة على وجهها لتتغير معيشتهم وتتبدل أحوالهم من الأسوأ إلى الأحسن ..
طبعا كان تسجيل كل هذا العطاء الفذ من لمسة قلم وجد له طريق النور من ( نور ) ,, وإصرار وتحدي ( لجين ) ونضالها في تغيير حياتها من فراغ وحزن ووحدة إلى بلورة من الحياة من العدم الذي كان يدمي وجود ذاتها وبفضل ( نور ) الصديقة التي أصبحت قريبة كل القرب منها والتي بزغت لها كبزوغ شمس في كبد السماء فكانت لها خير معين وقت الضيق ..
أما عن تلك التمتمات التي قالتها في أول شروق لفصل الربيع
( ليت هذا الربيع يكون مقدمة خيرٍ علي ) كانت عابرة من قلب منفطر على بلوغ السعادة ليستجيب لها الرب ويجعل حياتها ملونة من جميع الألوان بعدما كانت تتراءى لها بلون واحد لا يتغير ...
هكذا جمعت ( نور ) شتات ( لجين ) .. وهكذا كان ظهورها في حياتها حدثا لا يمكن أن تنساه ( لجين ) طيلة أيام عمرها ..