تهب في رمضان رياح عاصفة من المسلسلات العربية،وهذه كما تلك في قوتها وشدتها لا تبقي ولا تذر،تصيبك الحيرة وتنصب شباكها فلا تدري الى أي منها تذهب،ما هو المسلسل الذي تفضل متابعته،والى أين تتواري منها وعنها، كونها باتت مكتوبة عليك عزيزي القارئ المسكين رغماً عنك أكنت البيت،اوالعمل،اوالمقاهي ،اوالجلسات،اوالأسواق في كل مكان وزمان تلاحقك بلا استئذان ،فان لم تكُ من متابعها فأنت غريب الأطوار في نظر مدمنيها.
فاذا كان الفخر الذي ينخر الفكر والجمال الذي يهز الكيان يصيبك بنوع من الإحباط عندما تجالس نفسك برفقة فنجان قهوة،تسيطر عليك شياطين الأفكار ويحق لك ان تسل برفق ناعم عن سر هذه المسلسلات التي ترفض ويرفض كتبتها البوح برسالتها.
من الاهمية بمكان البحث عن العامل المشترك بين هذه المسلسلات كون جلها يقوم على ذكاء وإتقان للسبك،واستخدام مقعر للتاريخ بمساندة لغة بيضاء،او من خلال إسقاط واقع مر على ماضي امر لا يغني ولا يسمن من جوع،بمقابل نسيان حاضر وبتالي مستقبل منتظر،هذا بطبيعة الحال مخالف للطبيعة التي تفرض علينا القيام بعكس ذلك.
إبطال فرسان لا يشق لهم غبار، أفكار ،وخطط ،ومعارك شيمتها الانتصار او تبحث عنه،أسلحة مشرعة دوماً فوق رؤوس الأعداء،حلول ترضي كافة الأطرف بعد مط في الإحداث،نساء"كلاسيكيات"بألف رجل اختصرن نساء الارض،نساء القرن الحادي والعشرين باعتبارهن متمردات على ألزواجهن ومجتمعهن لا يقبلن شي إلا ان كان خارجا من أعماق أفكارهن،على العكس من نساء الحارة والبادية والقرية في القرون الغابرة التي تقابل الإساءة بحسنة نحو" تئبرني ابن عمي ، يومي ابل يومك(...)،وكأن عجلة التاريخ توقفت عند ذك الزمن"الجميل!!!"مع انه وسم بالتخاذل والجبن،سلمت به اوطاننا واحلامنا.
من الغريب ان نجد كتابنا يودون العودة اليه لا حباً بالماضي،بل كرهاً بالحاضر الذي يضعهم امام مسؤولياتهم وهروبا منه ومن مشاكل تصاغروا عن إيجاد حلاً لها.
رجالات معاصرين بأثواب تاريخية كان لهم على ذمة التاريخ صفات تنم عن الشجاعة والنبالة والشهامة والدهاء والكياسة والسياسة وفي بعض الأحيان تياسه،فهم"رجال الحارة"واهل الراية،ونشامى المرقاب،وجنود اكتوبر الاخر،ونصابين ولصوص العار،وجنود في انا القدس،إبطال يشبهون الهة سومرية أسطورية"نصفها الإلهي وأخر بشري"قبائل،ومدن،وقرى،وبوادي كما الجمهورية الفاضلة أعيد ابتعاثها من جديد من ركام أفلاطون،لا يمكن هزيمتها او الانتصار عليها،مثاليون عباقرة أقوياء جهابذة ساكنوها.
تأخذاك الإحداث تعايشها بشكل يومي على مدار ثلاثون حلقة،لتصل في النهاية الى حبكة رومانسية لا حل لها،يحيلها الكاتب والممثلون الى المتابع والمتابع بدوره يحيلها لخيالة،باعتبار ان المعنى والمبنى والعقدة والحل كلها وجميعها وجلها في بطن الكاتب،يتمنى المتابع على أثرها العودة الى ماض ٍ الزمن الجميل من خلال اعجابة باسلوب الكاتب الطوباوي،بمقابل وائد الحاضر، كون التفكير به وفق كتابنا وممثلينا وحكوماتنا ووزرائنا ونوابنا واعياننا ممنوع لا يتوجب تعاطيه فهو كما الهيروين والافيون يعاقب عليه القانون.
المتابع يجدها إي ـ المسلسلات ـ تحمل الكثير من البطولة التي تشعرك بفخر شبيه بليلة الدخلة،يمتد لك منذ مئات السنين ويصل حيث انت،لتقل ان الأمة"لسه بألف خير"هذا هو حال مسلسلات من نوع باب الحارة واهل الراية واكتوبر الاخر،وذكرة جسد وصبايا والعار،والصندوق الاسود وزهرة ومصايبها الخمسة،(......)وغيرها مما تزخر به شاشاتنا العربية التي نفتنا عن سبق اصرار وترصد"وراء الشمس"لتصيبنا بشي من تلوث ضوضائي نظري قادنا الى سقوط للخلافة والاخلاق والمبادئ والقيم والعادات والتقاليد.
وفي عين السياق نجد ان الكثير من متابعي المسلسلات لا يتسمرون إمامها إلا لمتابعة ملائكة أحلامهم من الفنانين والفنانات لتكن بمثابة مقدمة لسهرة حمراء في المساء!!!
هذا الامر يقودنا الى القول : ان كان تاريخنا العربي كما تصوره لنا هذه الاعمال، يزخر بمئات من قصص الإبطال،يا ترى لما خسرنا أرضنا العربية وأنفسنا معها التي تغط في غبرة وجهل وخنوع وجبن ياس وانهزام،ان كان لدينا إبطال من أمثال هؤلاء التاريخيين المتحجرين،لماذا جبنا عن إطلاق طلقة واحدة باتجاه أرضنا المحتلة في مشارق الأرض ومغاربها،لماذا لم نشهد أصوتاً بعيداً عن تنظير السطو والسرقة باعتبارها رجولة وقوة،لما اختصارنا تاريخنا بمقارعة النساء والكؤوس،لماذا لم يسرقوا فلسطين الى ألان من يد اليهود،لما لم نشهد بطلا عربيا يقوم بسرقة وثائق او خطط حروب او مشاريع صواريخ صهيونية،لماذا لم يقارعوا الأعداء بدل النساء.
آه ...آه ...آه على امة تحول تاريخها الى زور يكتب على شكل سيناريت،واه على تاريخ ينظر الى الوراء وينكب عليه وينكر واقع انهزامي أني،ومستقبل لا يعرف فحواه.
وبعد كل هذا نعود من جديد نسل أنفسنا قبل الآخرين لما ضاعت فلسطين والعراق ولم نستطيع الى ألان تحرير حجر واحد وشجرة واحدة ومسجد واحد وكنيسة واحدة من براثين المحتل المغتصب،وقبل هذا وذك لما عجزنا عن تحرير أنفسنا الانهزامية الفردانية الأنانية،لماذا تجرعنا النكبة،وشربنا النكسة،ورفضنا الهزيمة،بل تطور الامر الى أكثر من ذلك في بغداد فباتت"فكسه"بطعم الهزيمة ونكهتها .
اذن لابد من القول في الختام تبا لنا من أمه بلهاء،خرساء،جاحدة،ذليلة،جبانة ،"اونطة " تحول دينها من دين محمد الى دين مهند على رأي الإعلامي الفذ حمدي قنديل ..الله يرحمنا برحمته وسلام على اردننا ورحمة من الله وبركة.
خالد عياصرة