مفهوم الحدث
تباينت الآراء حول وضع تعريف موحد للحدث، وذلك وفقاً لتعدد المدارس القانونية والاجتماعية والنفسية، مما يملي الإحاطة بصورة مسهبة بتلك التعريفات وفق كل منظور على حدة.
الحدث هو: الشخص الصغير السن، ويقابله في اللغة الانجليزية مصطلح Juvenile بالرغم من اختلاف المجتمعات في عملية ضبط الفئة العمرية الخاصة بالأحداث حسب طبيعة هذه المجتمعات ومستواها الاجتماعي والقانوني.
أما من وجهة نظر القانون، فإن الحدث هو "صغير العمر الذي أتم السن التي يحددها القانون للتميز، ولم يتجاوز السن التي حددها لبلوغ الرشد".
ووفقاً لأحكام مواد قانون الأحداث الأردني المعمول به في محاكم الضفة الغربية، والقانون المصري في قطاع غزة بخصوص الأحداث، فإن تعريف الحدث هو: "كل شخص أتم التاسعة من العمر ولم يتم الثامنة عشره، ذكرا كان أم أنثى.
وتختلف المجتمعات في تحديد الحد الأقصى والأدنى لعمر الحدث، إذ يتمثل الحد الأقصى لهذا العمر في القانونين: التشيلي والسويدي، فقد يصل إلى سن 21. كل هذه الاختلافات تعود إلى عوامل طبيعيه، واجتماعية، وثقافية، ومن تلك العوامل الاختلاف في مدى النمو، وحصول البلوغ الجسدي بين قطر وآخر تبعاً لظروف البيئة والطبيعة.
اجتماعياً، ينظر للحدث باعتباره الشخص الصغير منذ ولادته وحتى يتم نضجه اجتماعياً ونفسياً. وتكتمل جميع عناصر الرشد لديه، فإذا ما تكامل نموه وبلغ الرشد، اعتبر إنساناً بالغاً، ولكن لا يمكن النظر اجتماعياً لرشاد الحدث من خلال سن معينه؛ لأن هناك عوامل كثيرة تتداخل في تحديد سن الرشد، وهي، بالضرورة، تختلف من فرد لآخر، باختلاف قدراته والبيئة التي يعيشها.
أما التعريفات الأخرى التي اشتمل عليها القانونان المذكوران، فهي:
الولد: من أتم السابعة من عمره ولم يتم الثانية عشرة.
المراهق: من أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة.
الفتى: من أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة.
الوصي: هو كل شخص خلاف الولي تعتبره المحكمة متولياً أمر العناية بالحدث أو الرقابة عليه.
المبحث الثاني
جنوح الأحداث
يدلل لفظ الجنوح من الناحية اللغوية على معنى "الإثم" ويحمل في طياته خروجاً عن الإطار أو النهج أو المعيار الذي يتفق عليه المجتمع. فجنح تفيد الخروج عن المسار، وأيضاً يختلف معنى الجنوح من مجتمع لآخر، فهو مفهوم نسبي لاختلاف المعايير التي تحدد الفعل الجانح. وهناك نوعان من الجنوح: جنوح الكبار؛ وجنوح الصغار، وبعض أنواع الجنوح ليست إجراماً، وهناك جنوح يعد إجراماً حتى لو كان منفذه صغير السن.
والنظر هنا يتم إلى الجنوح الذي يمارسه الحدث صغير السن، ليصبح الجنوح عبارة عن "خرق للقاعدة القانونية بوساطة صغار السن" وعليه، يعتبر الحدث جانحاً "إذا قام بفعل يعتبره القانون جريمة، أو كل فعل يعاقب عليه القانون الجنائي.
النظريات والمدارس المفسرة لظاهرة جنوح الأحداث:
أولاً: النظرية التقليدية
تعددت الرؤى والنظريات التي تناولت موضوع جنوح الأحداث، شأنها شأن غيرها من الظواهر الاجتماعية، إذ إن التعدد في المواقف ينبع من تعدد المرجعيات النظرية والمعرفية لكل دارس، ومن ثم اختلاف المنهجيات، حيث لم يكن هناك حدود فاصلة بين من هم في سن الرشد وبين هؤلاء الذين لم يبلغوا بعد سن الرشد، ومن ثم تساوى الأشخاص المنحرفون صغاراً وكباراً أمام القانون، ولم يتم النظر للأحداث بوصفهم مجرمين صغاراً دون أي فوارق جوهرية مع الكبار، ولم تتم مراعاة الظروف، والشخصية، والعمر، والتكوين النفسي والاجتماعي للمنحرف، فالقانون الفرنسي، على سبيل المثال، لعام 1791 ساوى بين المجرم المبتدئ والمحترف وأيضاً المجرم الحدث. وترافق عدم التمييز هذا مع طغيان فكرة التأديب بدلاً من الإصلاح، ولكن مع التطور الذي شهدته المجتمعات الغربية خصوصاً وما شهدته من تطورات تقنية، وإنتاجية، وعلمية، وثقافية، وإبداعية، فقد أدى كل ذلك إلى مزيد من الاهتمام بحقوق الطفل والحدث، الأمر الذي أدى إلى الفصل التدريجي بين أصناف المنحرفين الكبار والصغار وإلى تخفيف مسؤولية الصغار الذين لم يبلغوا سن الرشد.
ثانياً: النظرية الاجتماعية
وهي نظرية تنامت مع نشأة علم الاجتماع وبروز مفكرين وظيفيين أمثال دور كايم الذين ينظرون للظاهرة الاجتماعية انطلاقاً من الوظيفة الموكولة لها، وبدأ هذا التوجه يأخذ بعين الاعتبار شخصية المنحرف، وكيانه، واهتماماته، والنظر بشكل جديد نحو فهم الانحراف لماضي الحدث، وحاضره، ومستقبله، والتركيز على معرفة الدوافع التي أدت بالحدث إلى هذا السلوك المنحرف سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو بيولوجية وما إذا كانت هذه الدوافع "موروثة أو مكتسبة".
وركز علماء الاجتماع على ظاهرة الانحراف لدى الأحداث باعتبارها ظاهرة اجتماعية تحدث نتيجة التغيرات السريعة التي تحدث في المجتمع وتؤدي إلى خلل في نظام القيم والمعايير الاجتماعية أو ما يعرف بالأنوميا لدى دور كايم، وعليه، ينتج الانحراف عن عدم التكيف. والسلوك المنحرف حسب هذه النظرية يعتبر "خروجاً عن العرف والتقاليد، وهو مظهر لتفكك النظم الاجتماعية التي أهمها الأسرة. لذا يجب دراسة العلاقات الاجتماعية، والأنماط الثقافية، والصراع في المجتمع.
ويؤمن أصحاب هذه النظرية بأن الانحراف ظاهرة اجتماعية ناتجة عن القهر والتسلط الاجتماعي الذي يمارسه بعض الأفراد تجاه البعض الآخر، فالفقر مرتع خصب للجريمة، والفقراء يولدون ضغطاً ضد التركيبة الاجتماعية للنظام مما يؤدي إلى انحراف الأفراد؛ بمعنى أن الفقر باعتباره انعكاساً صارخاً لانعدام العدالة الاجتماعية بين الطبقات يولد رفضاً للقيم والأخلاق الاجتماعية التي يؤمن بها الرعيل الأكبر من أفراد النظام الاجتماعي. ولو اختل توازن القيم الاجتماعية كما يعتقد (إميل دور كايم) من رواد هذه النظرية الأوائل، فإن حالة الفوضى والاضطراب ستسود الأفراد والمجتمع، ومثال ذلك أن التطور الصناعي الذي حدث بالبلدان الرأسمالية في القرون الثلاثة الماضية أدى إلى اختلال في توازن القيم الأخلاقية والاجتماعية الذي أدى بدوره إلى شعور الناس بانعدام وضوح منارات الهداية ومعالم الأخلاق. وبذلك فقد ضعف وازع السيطرة على سلوك الإنسان الرأسمالي خصوصاً على نطاق الشهوة والرغبة الشخصية، فأصبح الفرد منحلاً متهتكاً لا يرى ضرورة لفرض التهذيب القسري عليه وعلى الأفراد المحيطين.
ويدعى أصحاب هذه النظرية أيضاً بأن الانحراف يعزى إلى عدم التوازن بين الهدف الذي يبتغيه الفرد في حياته والوسيلة التي يستخدمها لتحقيق ذلك الهدف في النظام الاجتماعي. فإذا كان الفارق بين الأهداف الطموحة والوسائل المشروعة التي يستخدمها الأفراد كبيراً، أصبح الاختلال الأخلاقي لسلوك الفرد أمراً واضحاً. فحسب ادعاء النظام الرأسمالي يستطيع الفرد نظرياً أن يصبح أغنى إنسان في المجتمع بجهده وعرقه أو أن يمسي فاشلاً في تحصيل رزقه اليومي، ولكن نظرة سريعة إلى الواقع الخارجي يصبح شيئاً مختلفاً. فلا يستطيع كل الأفراد أن يكونوا أغنياء في وقت واحد؛ لأن المال محدود بحدود النظام الاجتماعي والاقتصادي. فإذا تراكم المال عند الطبقة الغنية، فإنه سيسبب حرماناً ونقصاناً عند الطبقة الفقيرة، فالفرد الذي لا يصل إلى تحقيق أهدافه عن طريق الوسائل المقررة اجتماعياً يسلك مسلكاً منحرفاً يؤدي به إلى هدفه مثل: السرقة، والرشوة، وبيع المواد التي يحرمها القانون. وهنا يلعب القهر الاجتماعي دوراً في توليد ضغط لدى بعض الأفراد كي ينحرفوا اجتماعياً.
هذه النظرية وحدة التحليل فيها هي المجتمع باعتباره العامل الذي يملي على الأفراد سلوكهم وفعلهم.
ثالثاً: النظرية النفسية
يرى أصحاب هذه النظرية أن وقوع الجريمة والانحراف يأتيان نتيجة اختلال واضطراب في تكوين "الأنا" ونموها. وهذا يكون نتيجة لعدم حصول التعديل اللازم في الدوافع الفطرية لأن "الذات العليا" (الضمير) تصبح غير قادرة على الحكم والسيطرة على الذات. وحسب فرويد، فإن سلوك الفرد ناتج عن صراع ثلاث قوى هي: الذات الدنيا؛ والذات الجسمية؛ والذات العليا (الضمير) فالحدث المنحرف كما يراه أنصار مدرسة التحليل النفسي إنما هو الذي تسيطر عليه رغبات اللهو (ID) على ممنوعات الذات العليا (super-ego) أو بتعبير آخر هو الذي تتغلب عنده الدوافع الغريزية والرغبات على القيم والتقاليد الاجتماعية الصحيحة.
رابعاً: النظرية الوراثية
وهذه النظرية ترى في الفعل الجانح نتيجة طبيعية لعنصر الوراثة، فهو ينتقل بالجينات من الوالدين للأبناء، وهكذا وبالتالي "لكل شخصية درجة من الاستعداد لارتكاب الفعل الإجرامي، وهذا يأتي بالوراثة" وينتقل السلوك الجانح عن طريق الوراثة.
فالطب النفسي، وعلم النفس الطبي، وعلم النفس المرضي، وعلم السلوك والإجرام، وعلم النفس الاجتماعي، أكدت كلها على دور العوامل الوراثية في انحرافات السلوك بصورة استعداد كامنة جاهزة للظهور عندما تتوافر المناخات المحرضة السلبية من تربوية، وسيكولوجية، وبيئية.
وإن هذا لا يعني وجود حتمية بيولوجية في الانحراف السلوكي أو انه لا أثر لعامل التنشئة الصحيحة في تبديل السلوك، فالرعاية والأمومة السوية التي في مقدورها تكوين عادات سلوكية عند الأولاد قادرة على السيطرة على العامل الوراثي لنوازع الانحراف الكامنة.
خامسا: نظرية الانتقال الانحرافي
يعتقد أنصار نظرية الانتقال الانحرافي أن الانحراف سلوك مكتسب، إذ يتعلم الفرد الانحراف كما يتعلم فرد آخر السلوك الذي يرتضيه النظام الاجتماعي. ويستند أصحاب هذه النظرية في اعتقادهم إلى الفكرة القائلة إن مستوى الجرائم الحاصلة في محلة أو مدينة معينة تبقى لسنوات عديدة مستقرة ضمن نسبها المئوية؛ أي أن الانحراف إذا ظهر في بيئة اجتماعية معينة، فلا بد له من الاستمرار في تلك البيئة حيث يتعمق ذلك الانحراف في التركيبة الثقافية والاجتماعية للمحلة أو المدينة، وينتقل الطابع الانحرافي من فرد إلى آخر ثم من جيل إلى آخر دون أن يغير الدافع الذي يؤدي إلى ارتكاب الجريمة لدى هؤلاء الأفراد.
وبموجب هذه النظرية، يساهم هذا الطابع الإجرامي لمجموعة الأفراد المنحرفين في اتساع دائرة الانحراف والإجرام عن طريق استقطاب أفراد جدد، إذ يشبه رواد هذه النظرية ظاهرة الانحراف بآلة المغناطيس التي تجذب إليها نشارة الحديد فحسب، وتترك نشارة الخشب وذرات التراب، فعندما يدخل الفرد المؤهل للانحراف ضمن هذه الدائرة توزن نظرته الشخصية للقيم الاجتماعية التي يؤمن بها من جانب أفراد هذه المجموعة المنحرفة، وتقيم ثم توضع تحت الاختبار، وبعدها يصبح سلوكه الاجتماعي مرهوناً بالقبول من جانب المنحرفين، وعندما يتم ذلك تنقلب الموازنات الاجتماعية في تصوراته الجديدة، فيصبح عندئذ الانحراف اعتدالاً والاعتدال انحرافاً.
سادساً: نظرية الدفاع الاجتماعي
تعتبر هذه المدرسة امتداداً طبيعياً للنظرية المتكاملة أو المتعددة التي ترى في الفعل الجانح نتيجة عوامل اجتماعية، وبيولوجية، ونفسية، واقتصادية. وتمثل هذه المدرسة تطوراً مميزاً داخل المدارس التي تناولت موضوع الأحداث، إذ حملت هذه النظرة مفهوم الدفاع عن المجتمع وأفراده على حد السواء، واعتبار الحدث كائناً اجتماعياً من المفترض به أن يكون فاعلاً في عملية البناء المجتمعي، ومن ثم الخروج عن المعايير، والقيم، والضوابط الاجتماعية، والقانونية. ويجب أن ينظر إلى الأحداث بالكثير من التركيز والتمحيص، ومعرفة الدوافع والعوامل التي أدت إلى الانحراف، ومن ثم تشخيص الحالة، ووضع خطط علاجية بعيداً عن كل ما هو عقابي أو رادع أو تهديدي. وتنطلق هذه النظرية من ضرورة اتخاذ التدابير كافة التي من شأنها عودة الحدث الجانح إلى الحظيرة الاجتماعية، والالتزام بمعاييرها وقيمها وقوانينها، ولكن يتطلب تعديل سلوك الحدث العمل جنباً إلى جنب مع تعديل بيئي في واقع الحدث خصوصاً الأسرة، وعليه، لا يمكن النظر لنظرية الدفاع الاجتماعي إلا باعتبارها عملية توفيقية للتوجهات الاجتماعية والنفسية السابقة.
ولقد أخذت الكثير من التشريعات توجهات الدفاع الاجتماعي منذ ثلاثينات القرن الماضي