ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَخَيْرِ الآخِرَةِ
جاء الإسلام والناس في جاهلية وشَرّ ، والأخلاق المرذولة ترجَح بِكفّة الأخلاق الفاضلة ..
فأشاد الإسلام بُنيان الأخلاق الفاضلة ، وأرسى دعائم معالي الأمور ، وحثّ على أشرافِها ..
وأقصَى الأخلاق السافلة ، ونَحّى سَفاسِف الأمور ، وحذّر مِن دناياها ..
ونَالت الأخلاق حظّا وافِرا مِن النصوص .. ونال أصحابها أسْنَى المراتب ، وأعلى الدرجات ..
فأحسن الناس أخلاقا أقْرَبهم مِجْلِسًا مِن نبي الرحمة ..
وتكفّل رسول الله بِبَيتٍ في أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ
وأكمل المؤمنين إيمانا أحْسَنهم خُلُقا ..
وحُسْن الْخُلُق أثقَل ما يُوضَع في الميزان ..
وبِحُسْن الْخُلُق يبلغ العبد درجة الصائم القائم ..
وحُسْن الْخُلُق مع التقوى أكثر ما يُدْخِل الناسَ الجنة ..
وجَعَل الإسلام العبادات إحدى ركائز محاسِن الأخلاق ، والتربية على معالي الأمور ..
فالصلاة تَنْهَى عن الفحشاء والمنكر ..
والقيام مَنْهَاة عن الإثم ..
والصيام حَبْس للنَّفْس .. وتربية على التقوى .. وبَذْل للمال ..
في الحديث : إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ . رواه البخاري ومسلم .
واقْتَرَن الصيام بالجود والإنفاق ..
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . رواه البخاري ومسلم .
قال الإمام البخاري : بَاب حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ ، وَمَا يُكْرَهُ مِنْ الْبُخْلِ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ .
بل إن الدعوة إلى مكارِم الأخلاق كانت منذ بدء الدعوة إلى الإسلام .قال الإمام البخاري : وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَخِيهِ : ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ . فَرَجَعَ ، فَقَالَ : رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ .
وفي قصة أبي سفيان مع هرقل .. قال هرقل : مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قال أبو سُفيان : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ . رواه البخاري ومسلم .
ولَمّا وفِد وفْد عبد القيس ، وكان فيهم الأشج - المنذر بن عائذ – أثنى عليه النبي بِقوله : إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ . رواه مسلم . واصل الحديث في الصحيحين .
والبِرّ اسمْ جامِع لِكلّ خُلُق فاضل ..
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " الْبِرُّ شَيْءٌ هَيِّنٌ ؛ وَجْهٌ طَلِيقٌ ، وَكَلَامٌ لَيِّنٌ . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان "
وقال عبد الله بن المبارك في حُسْن الْخُلق : هو بَسْط الوَجْه ، وبَذْل المعروف ، وكَفّ الأذى . رواه الترمذي .
فعلى كل مَن صام أن تَسْمُو نَفْسه .. وتزكو أخلاقه .. ويتخلّى عن أحقاده .. وينبذ حظوظ نفسِه .. ويَعْفُو ويَصْفَح ..
ويُعوِّد نفسه على التحلّي بالأخلاق الفاضلة ..
وليس بين الإنسان وبين حُسْن الْخُلق إلاّ أن يأطِر نفسه .. وأن يُعوّدها على الْحِلْم ..
قال : إنما العِلْم بالتعَلُّم ، وإنما الْحِلْم بِالتَّحَلُّم . مَن يَتَحَرّ الخير يُعْطه ، ومَن يَتقّ الشَّرّ يُوقَه . رواه الطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني .
فانظر ما تُحبّه من الأخلاق فَتَحلّ به .. وما تكرهه مِن غيرك فاتّقِه ..
قيل للأحنف بن قيس :
ممن تعلمت الْحِلم ؟ قال : مِن نفسي ؛ كنت إذا كَرِهْتُ شيئا مِن غيري لا أفعل مثله بأحَد .