منذ أن شرع الله _تعالى_ صيامه وخصه بفضائله، شكّل شهر رمضان المبارك، مدرسة متواصلة ومستمرة لتربية الأجيال وتهذيبهم ، تصقل في كل سنة نفوس الناس، وتزودهم بشحنات إيمانية، تلهمهم معاني الدين الحنيف، وتثبت في نفسهم صفات المسلم الحق .
وطالما بقي هذا الشهر مدرسة للمسلمين في كل مكان وزمان ، وجب على الآباء والأمهات اغتنام الفرصة؛ للعب دور أساسي وهام في توظيف هذا الشهر ، طلباً للوصول إلى أسمى درجات الأخلاق للعائلة، وأملاً في الحصول على الأجر المضاعف من المولى _عز وجل_.
الأسرة السعيدة:
لن نجد أسرة أسعد من تلك التي اجتمعت قلوب أفرادها وكلمتهم على التقرب من الله ، والتعاضد في سبيل نيل الأجر والمثوبة منه _سبحانه_.
وكلما كانت الأسرة أكثر قرباً لله _عز وجل_ في أفعالها، كانت أكثر تماسكاً وتألفاً ورحمة فيما بينها.
فحبل الله الذي أمرنا أن نعتصم به، هو أمتن الحبال وأقواها، وأكثرها ديمومة وبركة.
وستجد الأسرة المسلمة في رمضان مدرسة في التعاضد والتقارب، لما لها من اجتماع على مائدة واحدة، وأداء مناسك واحدة، ورحمة في القلب، وسكينة في النفس.
فرمضان بحقٍ، فرصة لمزيد من الاهتمام بتربية الأهل والأولاد على البر والإحسان، وعلى كريم الخصال والأفعال، وعلى تقواه _سبحانه_ فحثهم على الصلاة، وترغيبهم في الصدقات، وتدريبهم على الصيام وتشجيعهم على كثرة الذكر، وعلى تلاوة القرآن، وسائر الطاعات، كل ذلك يسير في التربية الواجبة في كل حال؛ لأن النفوس لديها الاستعداد في هذا الشهر أكثر من غيره من مواسم البر، ومواطن الدعاء وقيام الليل، والاستغفار بالأسحار، ما قد لا يتوافر مثله في سائر الأزمان.
كيف نستثمر رمضان في تربية الأولاد ؟يتمتع رمضان بخصوصية الصيام، وفضل القيام وقراءة القرآن وغيرها من العبادات الأخرى، ما يجعله أفضل الشهور إمكانية لاستثماره بين أفراد الأسرة.
فهو فرصة لتربية الأبناء على العديد من العادات الحميدة والصفات الإسلامية النبيلة، عبر إقامة بعض البرامج التربوية في المنزل، ومن ذلك :
الصلاة والمكث في المساجد:
من أفضل العبادات التي يمكن للإنسان أن يتمتع بها خلال شهر رمضان المبارك، هو لزوم الجماعة في أداء الصلوات الخمس المفروضة في المساجد والمكث فيه شيئاً من الوقت، ورمضان فرصة لبدء رحلة الأبناء إلى المسجد، والتعود على صلاة الجماعة، وربط القلوب بهذه البقعة المباركة .
ويجب مراعاة الأمور التالية في ذلك:
1- عدم الإتيان بالأطفال ممن لا يفقهون الصلاة أو يلتزموا بها، لكي لا يثير الطفل المتاعب في المسجد، ويزعج المصلين أثناء صلاتهم، ويشغل الأب عن صلاته.
2- مراعاة إحضار جميع الأبناء إلى المسجد، وعدم ترك أحد في المنزل بأي حجة، كي لا يكون سبباً في تقليل همة البقية، أو إحداث خلل في التربية.
3- حضور الصلوات جميعها في المسجد، وعدم ترك شيء، فالأبناء يتربون على ما يفعله الآباء، فإن ترك الأب إحدى الصلوات في المسجد، تعود الأبناء على تركها.
4- مراعاة الذهاب إلى المسجد حال سماع الأذان، أو قبله بوقت قصير، كي يتمكن الأب والأبناء من تلاوة القرآن وذكر الله في الأوقات المباركة، ونيل أجر انتظار الصلاة.
5- الغاية من الذهاب إلى المسجد مع الأولاد، تربية الأبناء على الصلوات في المساجد، ولزوم الجماعة، وطلب الأجر، لذلك على الأب أن يقوم بإخبار أبنائه عن هذه الفضائل، وشرحها لهم.
قراءة القرآن:
قبل البدء بهذا البرنامج يحسن مراعاة الأمور التالية:
1 – الجميع يعلم فضل تلاوة القرآن الكريم وخاصة في رمضان، وسبق الإشارة إلى ذلك.
2 – المسلمون في رمضان تختلف هممهم في تلاوة كتاب الله _عز وجل_ فمنهم صاحب الهمة العالية، ومنهم صاحب الهمة المتوسطة، ومنهم الأقل من ذلك، وقد أعددنا جدولاً مناسباً لكل واحد منهم.
3 – تلاوة جزء واحد من كتاب الله لصاحب القراءة الطبيعية "الحدر" لا تأخذ أكثر من 20 دقيقة فقط ، أي: ثلث ساعة وهو في الغالب وقت انتظار الصلاة بين الأذان والإقامة، وهذه هي الطريقة المنتشرة بين الناس.
4 – رمضان حالة خاصة يتطلب من المسلم أن يكون شهره كله ليله ونهاره متلذذاً بكلام ربه ومناجاته، ولقد روي عن بعض السلف أنه كان يختم في كل ليلة من ليالي رمضان.
5 – افترضنا أن وقت انتظار الصلاة عشر دقائق، ومرادنا بذلك وقت التلاوة بعد أداء السنن الرواتب.
وتم توزيع البرنامج وفقاً للجدول التالي:
برنامج تلاوة القرآن في أوقات الدوام، وهي على النحو التالي:
ذكر الله _تعالى_:من الأمور التي يجب أن يغتنمها الآباء في رمضان، غرس حب ذكر الله _عز وجل_، في قلوب أبنائهم.
فعندما يرى الأبناء آباءهم وهم يحرصون قبل غيرهم، على ذكر الله _عز وجل_، والتمسك ببعض الأذكار والدعية المستحبة، فإنهم سيحبون أن يقلدونهم، فكيف لو شرح الآباء لأبنائهم معزى ذكر الله _تعالى_، والأجر الذي يناله العبد على ذلك.
وطالما أن العائلة خلال رمضان تجلس إلى بعضها أكثر من غيرها من شهور السنة، لذلك وجب استغلال هذه الأوقات، لتلقين الأبناء بطرق غير مباشرة، الكثير من العبادات.
ومن أسهل هذه الأمور التي قد يتعلمها الأبناء من آبائهم، هي الأذكار، ذلك أنها:
1- لا تتطلب الكثير من الوقت أو الجهد.
2- يمكن أن يرددها الأب وهو جالس أو مشتغل ، أو في أي مكان.
3- كثرة المناسبات التي قد يردد فيها الأب الأذكار.
4- تنوع الأذكار، وتنوع الأجر الذي يحصل عليه الإنسان بذلك.
وغيرها.