المواد اللاذعة في الفلفل الحار.. تُخفف ألم الجروح
طبقت على مرضى عمليات اصلاح فتق جدار البطن واستبدال مفصل الركبة
الفلفل الحار .. فوائده تمتد لتشمل تسكين الاوجاع بعد العمليات الجراحية
من الأخبار الطبية الساخنة، ذلك التنافس الحار بين الباحثين في أوروبا والولايات المتحدة حول إجراء اختبارات للتحقق من مدى جدوى مستخلصات الفلفل الحار في تخفيف تلك الآلام المبرحة التي يُعاني منها المرضى بعد العمليات الجراحية. وما يقترحه الباحثون هو أن ثمة فائدة للوضع المباشر للمستخلصات اللاذعة من قرون الفلفل الحمراء أو الخضراء على الجروح المفتوحة في عمليات استبدال الركبة أو غيرها من العمليات المؤلمة. والتجارب تُجرى على مادة كابسياسين capsaicin المسؤولة عن حرارة الفلفل لتقييم مدى قدرة نوعيات عالية النقاء لهذه المادة في القضاء على البكتيريا. وسيتم وضعها بالطبع على تلك الجروح حينما يكون المرضى تحت تأثير المخدر، كي لا يتعالى صراخهم!
* «خدر» الفلفل الفكرة بسيطة في أصلها، ومبنية على تلك الملاحظة المتكررة لحصول خدر وفقد للإحساس في اللسان أو الشفاه بعد الحرقة والحرارة الأولية حال تعرض تلك الأجزاء من الفم للفلفل الحار. وما يأمل الباحثون أن يُمكن لنفس الشيء أن يحصل في نهايات الخلايا العصبية المتخصصة بالإحساس بالألم والموجودة على أطراف الجرح. وسيعمل الباحثون من أجل تحقيق هذا التخدير للشعور بأي ألم، ومن أجل أيضاً أن يستمر فيها لمدة قد تصل إلى أسابيع في تلك الأعصاب على استخدام تركيز عالي القدر من مادة الفلفل الحار وغمر تلك الأطراف العصبية به. وهو ما سيُؤدي إلى تخفيف معاناة المرضى من الآلام في فترة النقاهة والتئام الجرح ما بعد العملية الجراحية، أي أسوة بتأثيرات مسكنات الألم المورفينية.
وقال الدكتور إسكي أسفانج، الطبيب الدنمركي المتخصص في الألم والقائم بتلك التجارب، نُريد أن نستكشف، القدرات العالية لهذه المادة، في تخدير الشعور بالألم.
ومن المعلوم أن الفلفل الحار جزء من العلاجات الفلوكلورية التقليدية لكثير من شعوب العالم خلال القرون الماضية، وأن ثمة أنواعاً من المراهم الممزوجة بمادة كابسياسين لعلاج ألم المفاصل أو العضلات، والتي تلقى رواجاً لدى الكثيرين نظراً لاستفادتهم من استخدامها. وما يطرحه الباحثون الطبيون أن لهذه المادة اللاذعة تأثيرات مباشرة على نهايات الخلايا العصبية المتخصصة في الشعور بالألم.
والواقع أن تجارب الباحثين الدنمركيين على الفلفل والألم، والتي تجرى في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، ليست هي الوحيدة على مسرح التجارب العلمية، بل يخلط الباحثون من جامعة هارفارد بالفعل مادة كابسياسين مع المواد المُخدرة المُستخدمة في التخدير من خلال إبرة الظهر لحالات الولادة أو المستخدمة في تخدير الأسنان. كما أن الباحثين في المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة يأملون البدء في العام المقبل بإجراء الاختبارات على استخدام مادة تُعتبر ابنة عم لمادة كابسياسين، لكنها أقوى منها أكثر من 1000 مرة، على مرضى السرطان في محاولة للتحكم بالآلام المبرحة التي قد يُعانون منها.
ومما هو معروف للعلماء أن الخلايا العصبية المتخصصة بالإحساس بنوعية الألم النابض الطويل الأمد، مثل آلام الجروح، تمتلك مستقبلات receptor معينة، وتعمل كبوابات ، على جدرانها، وتُدعى تي أر بي في-1 TRPV1. وهذه المستقبلات في جدران الخلايا العصبية تلك تتفاعل لدى التحام مادة كابسياسين بها، ما يُؤدي إلى فتح تلك البوابات ودخول مادة كابسياسين إلى الألياف المتخصصة بالإحساس بالألم النابض الطويل الأمد، دون التعرض للألياف الأخرى المتخصصة بأنواع أخرى من الألم أو المتخصصة بوظائف عصبية أخرى، مثل تحريك العضلات أو غيرها.
كما أنه من المعروف أن هذه الخلايا العصبية من نوع سي C neurons تُحس أيضاً بالحرارة، ما يُبرر لنا ذلك الشعور بالحرارة والحرقة، وبالتخدير أيضاً، الذي يصحب تعريض هذه الخلايا العصبية لمادة كابسياسين. لكن ما هو معلوم أيضاً أن فتح هذه البوابات على جدران الخلايا العصبية المتخصصة بالألم، يسمح أيضاً بدخول عنصر الكالسيوم إلى داخلها، وصولاً إلى حالة من تشبع هذه الخلايا العصبية بالكالسيوم، وعملها من ثم على إقفال تلك البوابات، وبالتالي عدم قدرة هذه الخلايا وأليافها على العمل نتيجة التشبع بالكالسيوم، أي بعبارة أخرى وصول الأمر إلى حصول حالة من التخدير فيها، ولذا مهما تكاثر طرق مثيرات الألم لتلك البوابات على جدران الخلايا العصبية، فإنها ستظل مغلقة ولا تسمح للخلية بنقل الشعور بالألم من المنطقة تلك.
وقال الدكتور مايكل إيدارولا، من المؤسسة القومية للصحة، إن ما هو مطلوب إعطاء نظرة جديدة لتفاعلات إثارة تلك المستقبلات، وتحويل هذه الاكتشافات من أبحاث على مستوى الخلايا إلى محاولات صيد اكتشاف علاجي جديد، للألم.
وتعمل إحدى الشركات الأميركية على ترويج استخدام عقار يحتوي على مادة كابسياسين النقية. وتجري التجارب التي تشمل استخدامها على مئات المرضى الذين خضعوا لأنواع شتى من العمليات الجراحية، مثل عمليات استبدال مفصل الركبة والورك. وفي تلك الدراسة يقوم الجراحون بعد الفراغ من العملية بوضع إما مادة كابسياسين النقية أو وضع مادة وهمية في محلول يتم غمر أجزاء العضلات والأنسجة المقطوعة لمدة خمس دقائق قبل قيام الجراح بالخياطة فيما بين طرفي القطع فيها وإغلاق الجروح.
* تجربة ناجحة ومن بين النتائج الأولية، تلك التجربة على أكثر من 40 مريضاً أُجريت لهم عملية إصلاح فتق جدار البطن. وتبين أن الذين تلقوا مادة كابسياسين بالطريقة المتقدمة الذكر أثناء المراحل الأخيرة من العملية الجراحية، كان شعورهم بالألم خلال الثلاثة الأيام الأولى عقب العملية الجراحية أقل بكثير من ذلك الألم الذي شعر به منْ لم يتلقوا مادة كابسياسين خلال العملية الجراحية. وتم عرض هذه النتائج ضمن فعاليات اللقاء السنوي للمجمع الأميركي للتخدير الذي عُقد خلال شهر أكتوبر الماضي.
أكما تبين من نتائج دراسة أخرى تمت على من خضعوا لعمليات استبدال مفصل الركبة، وشملت أكثر من 50 شخصاً، أن الحاجة إلى طلب المورفين، خلال اليومين الأولين بعد العملية، للتغلب على ألم ما بعد العملية الجراحية كان أقل بنسبة 50% لدى منْ تلقوا مادة كابسياسين على جروحهم بالطريقة المذكورة آنفاً خلال العملية الجراحية، وذلك بالمقارنة مع منْ لم يتلقوها. ويُوجد في العالم أكثر من 4000 نوع من الفلفل. والسبب في حرقة وحرارة طعمها أو أثرها هو وجود مادة كابسياسين. وهي مادة كيميائية ثابتة التركيب. ولذا تُقاوم درجات الحرارة العالية عند الطبخ أو درجات الحرارة المنخفضة عند التبريد. وفي نفس نوعية الفلفل، فإن هذه المادة تتركز فيما هو منها ذو اللون الأحمر أو البرتقالي، أكثر من الأخضر. كما أنها تتواجد في الأجزاء الملونة لثمرة الفلفل وفي بذورها. ولأن من السهل على الأمعاء هضمها وهضم الأجزاء الملونة من قرون الفلفل، بخلاف البذور الصلبة، فإن من الأفضل دوماً تناول الفلفل دون بذوره. خاصة لمن يُعانون من البواسير أو شروخ الشرج أو القولون العصبي أو غيرها من اضطرابات الجهاز الهضمي. وثمة مقياس علمي لشدة حرارة الفلفل، وضعه العالم الألماني ويبر سكوفيل في بدايات القرن الماضي، وسُمي بعد تطويره باسم مقياس سكوفيل. ووحدة سكوفيل واحدة تعني جزءا لكل مليون مركب من كابسياسين. ولذا فإن الأنواع المأكولة عادة من الفلفل تتراوح قوتها ما بين 5 إلى 50 ألف وحدة سكوفيل. لكن ثمة نواعاً أشد ولا يُطاق تناولها، كتلك التي تم اكتشافها في الهند عام 2000 وبلغت شدتها أكثر من 850 ألف وحدة. واكتشف في مقاطعة اسام الهندية اخيرا نوع جديد بشدة تبلغ نحو مليون وحدة!